كتاب فنون العجائب لأبي سعيد النقاش - ت: مشهور
حَدِيثُ أَهْلَثَ
[84] أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلَاذُرِيُّ الطُّوسِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَكَارِزِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُزَاحِمِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ سِمَاكٍ الْكِتَّانِيُّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَهْبِ بْنِ غَيْلَانَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، قَالَ : " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ جُلَسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاعْتَنَقَهُ ، وَقَبَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَبِينَ صَاحِبِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرَ إِلَيْهِمَا مُبْتَسِمًا ، فَقَالَ تَمِيمٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا تَقُولُ فِي الِاعْتِنَاقِ لِلْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ يَا تَمِيمُ ، إِنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا الْتَقَيَا ، فَتَصَافَحَا ، وَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ، وَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ هَذَانِ تَحَاتَّتْ ذُنُوبُهُمَا عَنْهُمَا ، كَمَا تَحَاتُّ الْوَرَقُ مِنَ الشَّجَرِ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ يَا تَمِيمُ ، بَيْنَمَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِذْ هُوَ بِصَوْتِ رَجُلٍ يُسَبِّحُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ ، فَذَهَلَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ غَنَمِهِ ، وَقَصَدَ الصَّوْتَ ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ طُوَالٍ يُسَمَّى : أَهْلَثُ الْعَابِدُ ، طُولُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ ، وَقَالَ لَهُ : يَا أَهْلَثُ ، بَعْدَ أَنْ عَرَفَ اسْمَهُ ، هَلْ بَقَيَ مِنْ قَوْمِكَ غَيْرُكَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَمَنْ رَبُّكَ ؟ قَالَ : رَبُّ السَّمَاءِ ، قَالَ : فَمَنْ رَبُّ السَّمَاءِ ؟ قَالَ : رَبُّ السَّمَاءِ اللَّهُ ، قَالَ : مَا دِينُكَ ؟ قَالَ : الْإِسْلَامُ ، قَالَ : فَأَيْنَ قِبْلَتُكَ ؟ قَالَ : فَأَوْمَى بِيَدِهِ نَحْوَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ ، فَسُرَّ إِبْرَاهِيمُ بِذَلِكَ ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : فَأَيْنَ مَسْكَنُكَ ؟ فَقَالَ : فِي جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ : فَأُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ ، قَالَ : لَنْ تَسْتَطِيعَ ، قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَ : إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَهْرًا مِنْ مَاءٍ ، بَعِيدًا غَوْرُهُ ، كَثِيرًا مَاؤُهُ ، قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : فَأَيْنَ مَمْشَاكَ ؟ قَالَ : عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : فَإِنَّ الَّذِي ذَلَّلَهُ لَكَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُسَخِّرَهُ لِي ، فَمَضِيَا يَمْشِيَانِ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى بَيْتِ أَهْلَثَ ، فَإِذَا قِبْلَتُهُ ، قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : أَيُّ يَوْمٍ أَشَدُّ عَلَى النَّاسِ يَا أَهْلَثُ ؟ قَالَ : يَوْمُ يَنْزِلُ الْجَبَّارُ جَلَّ جَلَالُهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ ، فَتُوضَعُ الْمَوَازِينُ ، وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ : صَدَقْتَ يَا أَهْلَثُ إِنَّهُ لِيَوْمٌ عَظِيمٌ ، إِلَّا مَنْ هَوَّنَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ : يَا أَهْلَثُ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْنَا هَوْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، قَالَ أَهْلَثُ : هَذَا إِلَيْكَ ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، إِنَّ لِي عَشَرَ سِنِينَ ، أَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَمْ أَرْ لَهَا إِجَابَةً ، قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ : يَا أَهْلَثُ ، إِنَّ اللَّهُ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا ، وَكَانَ دَعَّاءً ، فَدَعَا : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : صَوْتٌ أُحِبُّهُ لَا أُنْكِرُهُ ، امْكُثُوا لِقَضَاءِ حَاجَةِ عَبْدِي ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ دَعَّاءٍ ، فَدَعَا ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : صَوْتٌ أَبْغَضُهُ ، وَأُنْكِرُهُ ، اقْضُوا حَاجَةَ عَبْدِي ، وَمَا كَانَ مِنْ دُعَاءه ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي رَأَيْتُ ، رَأَيْتُ وَجْهًا عَلَيْهِ ذُؤَابَتَانِ تَضْرِبَانِ خُضْرَةً يَرْعَى غَنَمًا حِسَانًا ، وَبَقَرًا سِمَانًا ، فَلَا أَدْرِي أَيُّ الْأَشْيَاءِ أَحْسَنَ ، الْغُلَامُ أَمْ رَعِيَّتُهُ فَإِذَا هُوَ يُسَبِّحُ اللَّهَ ، وَيَحْمَدُهُ ، وَيُهَلِّلُهُ ، وَيُكَبِّرُهُ ، وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ ، قَالَ أَهْلَثُ : فَقُلْتُ : يَا غُلَامُ ، لِمَنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ وَالْغَنَمِ ؟ قَالَ : لِإِبْرَاهِيمَ ، قَالتَ : وَمَنْ إِبْرَاهِيمُ ؟ قَالَ : إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ ، قُلْتُ : وَمَا أَنْتَ مِنْهُ ؟ قَالَ : ابْنُ ابْنِهِ ، وَهُوَ جَدِّي فَأَنَا مُبْتَهِلٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِنْ كَانَ لَهُ فِي الْأَرْضِ خَلِيلٌ أَنْ يُرِينَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ قَالَ : فَتَبَسَّمَ إِبْرَاهِيمُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَهْلَثُ ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ ، وَالْخَلِيلُ : هُوَ الصَّدِيقُ ، فَقَامَ أَهْلَثُ قَائِمًا يَبْكِي ، فَاعْتَنَقَ إِبْرَاهِيمَ ، وَقَبَّلَ مَوْضِعَ السُّجُودِ ، عِنْدَ ذَلِكَ شَهَقَ أَهْلَثُ شَهْقَةً حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا ، وَتَوَلَّى إِبْرَاهِيمُ أَهْلَثَ حَتَّى أَجَنَّهُ فِي حُفْرَتِهِ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ وَلَدِهِ " *
الصفحة 190