كتاب فنون العجائب لأبي سعيد النقاش - ت: مشهور

حَدِيثٌ آخَرُ لِلْخِضْرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
[91] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَقِيهُ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هِشَامٍ الرَّازِيُّ ، بِمَرْو ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ هِلَالٍ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ النَّقَّاشُ ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّحَّاكُ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ الْعَطَّارُ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ : " أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ الْخَضِرِ ؟ " قَالُوا : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : " بَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ يَمْشِي فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْصَرَهُ رَجُلٌ مُكَاتَبٌ ، فَقَالَ : تَصَدَّقْ عَلَيَّ ، بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ ، فَقَالَ الْخَضِرُ : آمَنْتُ بِاللَّهِ ، مَا يَرُدُّ اللَّهُ مِنْ أَمْرٍ يَكُنْ ، مَا عِنْدِي مِنْ شَيْءٍ أُعْطِيكَهُ إِلَّا أَنْ تَأْخُذَنِي إِلَيْكَ ، فَقَالَ الْمِسْكِينُ : أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ أَنْ تَتَصَدَّقَ ، إِنِّي نَظَرْتُ إِلَى سِيمَا الْخَيْرِ فِي وَجْهِكَ ، وَرَجَوْتُ الْبَرَكَةَ عَنْدَكَ , قَالَ الْخَضِرُ : آمَنْتُ بِاللَّهِ ، مَا عِنْدِي شَيْءٌ أُعْطِيكَهُ ، إِلَّا أَنْ تَأْخُذَنِي ، فَتَبِيعَنِي قَالَ الْمِسْكِينُ : وَهَلْ يَسْتَقِيمُ هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، الْحَقُّ أَقُولُ لَكَ ، لَقَدْ سَأَلْتَنِي بِأَمْرٍ عَظِيمٍ ، أَمَا إِنِّي لَا أُخَيِّبُكَ بِوَجْهِ رَبِّي ، فَبِعْنِي . فَقَدَّمَهُ إِلَى السُّوقِ ، فَبَاعَهُ بِأَرْبَعِ مِئَةِ دِرْهَمٍ قَالَ : فَمَكَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي زَمَانًا لَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي شَيْءٍ ، فَقَالَ الْخَضِرُ لِلْمُشْتَرِي : إِنَّمَا ابْتَعْتَنِي الْتِمَاسَ خَيْرِي ، فَأَوْصِنِي بِعَمَلٍ , قَالَ : أَكْرَهُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ , قَالَ : لَيْسَ يَشُقُّ عَلَيَّ ، فَقَالَ : اضْرِبْ مِنَ اللَّبِنِ لِبَيْتِي ، حَتَّى أَقْدِمَ عَلَيْكَ . قَالَ : فَمَضَى الرَّجُلُ لِسَفَرِهِ ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ ، وَقَدْ شَيَّدَ بِنَاءَهُ قَالَ : أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ مَا حَسْبُكَ ، وَمَا أَمْرُكَ ؟ قَالَ : سَأَلْتَنِي بِوَجْهِ اللَّهِ , وَوَجْهِ اللَّهِ أَوْقَعَنِي فِي الْعُبُودِيَّةِ فَقَالَ الْخَضِرُ : سَأُخْبِرُكَ مَنْ أَنَا ، أَنَا الْخَضِرُ الَّذِي سَمِعْتَ بِهِ ، سَأَلَنِي مِسْكِينٌ صَدَقَةً ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي شَيْءٌ أُعْطِي ، فَسَأَلَنِي بِوَجْهِ اللَّهِ ، فَأَمْكَنْتُهُ مِنْ رَقَبَتِي ، فَبَاعَنِي ، فَأُخْبِرُكَ أَنَّهُ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ ، فَرَدَّ سَائِلَهُ ، وَهُوَ يَقْدِرُ وَقَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَيْسَ لَهُ جِلْدٌ ، وَلَا لَحْمٌ إِلَّا عَظْمٌ يَتَقَعْقَعُ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : آمَنْتُ بِاللَّهِ شَقَقْتُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَمْ أَعْلَمْ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ ، أَبْقَيْتَ ، وَأَحْسَنْتَ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ احْكُمْ فِي أَهْلِي وَمَالِي ، مَا أَرَاكَ اللَّهُ أَنْ أُخَيِّرَكَ ، فَأُخْلِي سَبِيلَكَ . قَالَ : أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلِي ، فَأَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ . قَالَ الْخَضِرُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَوْقَعَنِي فِي الْعُبُودِيَّةِ ، وَأَنْجَانِي مِنْهَا " قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ : هَذَا خَبَرٌ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ ، وَفِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا : ابْتِدَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَدِيثِ ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : " أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ الْخَضِرِ " ، وَمِنْهَا : أَنَّ لِكُلِّ غَيْرِ ذِي الْحَاجَةِ أَنْ يَدْخُلَ السُّوقَ ، وَمِنْهَا : أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ قَدِيمَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَمِنْهَا : أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ وَلِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ تَصَدَّقْ عَلَيَّ , بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ ، وَمِنْهَا أَنَّ رَدَّ الْمَرْءِ سَائِلَهُ ، يَقُولُ لَهُ : مَا عِنْدِي مَا أُعْطِيكَ ، وَمِنْهَا أَنَّ السَّائِلَ إِذَا مَنَعَ مَرَّةً لَهُ أَنْ يُعَاوِدَهُ ، وَمِنْهَا أَنَّ الْحُرَّ إِذَا أَمْكَنَ رَجُلًا مِنْ بَيْعِهِ ، وَأَذِنَ لَهُ فِيهِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ ، وَمِنْهَا اسْتِثْبَاتِ الْإِنْسَانِ فِي الشَّيْءِ الَّذِي يُؤْمَرُ بِهِ ، لِقَوْلِ الْمِسْكِينِ لِلْخِضْرِ : أَيَسْتَقِيمُ ذَلِكَ ؟ وَمِنْهَا أَنَّ ذِكْرَ الدَّرَاهِمِ جَائِزَةٌ بَيْنَ النَّاسِ دُونَ ذِكْرِ الْوَزْنِ ، وَمِنْهَا أَنَّ الْخَضِرَ كَانَ نَبِيًّا مُرْسَلًا ، لِقَوْلِهِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَفِي إِخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ رِسَالَتِهِ *

الصفحة 214