كتاب فنون العجائب لأبي سعيد النقاش - ت: مشهور
حَدِيثٌ آخَرُ
[99 ] أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هَاشِمٍ الْبَلَاذُرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الشَّافِعِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ ، " أَنَّ رَجُلًا يَغْشَى بَعْضَ الْمُلُوكِ ، فَيَقُومُ بِحِذَاءِ الْمَلِكِ ، فَيَقُولُ : أَحْسِنْ إِلَى الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ ، وَالْمُسِيءُ سَيَكْفِيهِ مَسْآتُهُ . قَالَ : فَحَسَدَهُ رَجُلٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَقَامِ , فَوَشَى بِهِ إِلَى الْمَلِكِ ، فَقَالَ : إِنَّ فُلَانًا الَّذِي يَقُومُ بِحِذَائِكَ ، فَيَقُولُ مَا يَقُولُ ، زَعَمَ أَنَّ الْمَلِكَ أَبْخَرُ , قَالَ لَهُ الْمَلِكُ : وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا عِنْدِي ؟ قَالَ : إِذَا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْكَ ، فَادْعُ بِهِ إِلَيْكَ ؟ فَإِنَّهُ إِذَا دَنَا مِنْكَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ كَيْ لَا يَشُمَّ رِيحَ الْبَخَرِ , قَالَ لَهُ : انْصَرِفْ حَتَّى أَنْظُرَ . قَالَ : فَخَرَجَ ، فَدَعَا الرَّجُلُ إِلَى مَنْزِلِهِ ، فَأَطْعَمَهُ طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ ، فَجَاءَ إِلَى الْمَلِكِ ، فَقَامَ بِحِذَائِهِ ، فَقَالَ : أَحْسِنْ إِلَى الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ ، وَالْمُسِيءُ سَيَكْفِيهِ مَسَاوِئه ، فَقَالَ الْمَلِكُ فِي نَفْسِهِ : مَا أَرَى فُلَانًا إِلَّا قَدْ صَدَقَنِي . وَكَانَ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ بِخَطِّهِ لِأَحَدٍ إِلَّا بِجَائِزَةٍ أَوْ صِلَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ ، فَكَتَبَ لَهُ بِخَطِّهِ إِلَى عَامَلٍ مِنْ عُمَّالِهِ : إِذَا أَتَاكَ صَاحِبُ كِتَابِي هَذَا ، فَاذْبَحْهُ ، وَاسْلُخْهُ ، وَاحْشِ جِلْدَهُ تِبْنًا ، وَابْعَثْ بِهِ إِلَيَّ . قَالَ : فَخَرَجُ وَالْكِتَابُ مَعَهُ ، فَلَقِيَهُ الَّذِي سَعَى بِهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا الْكِتَابُ ؟ قَالَ : كِتَابٌ كَتَبَهُ لِيَ الْمَلِكُ بِخَطِّهِ ، فَقَالَ : احْبُونِي بِهِ ، هِبْهُ لِي . قَالَ : فَدَفَعَ الْكِتَابَ إِلَيْهِ ، فَمَضَى الرَّجُلُ إِلَى الْعَامِلِ ، فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ قَالَ : أَتَدْرِي مَا فِيهِ ؟ قَالَ : كِتَابُ خَطِّ الْمَلِكِ بِالْحَبَايِرِ وَالصِّلَةِ , قَالَ : إِنَّ فِي كِتَابِكَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَذْبَحَكَ ، وَأَسْلُخَكَ ، وَأَحْشُوَ جِلْدَكَ تِبْنًا ، وَأَبْعَثَ بِكَ إِلَيْهِ قَالَ : اللَّهُ ، اللَّهُ ، لَيْسَ هَذَا الْكِتَابُ لِي ، إِنَّمَا كَتَبَهُ لِغَيْرِي ، رَاجِعْ إِلَى الْمَلِكِ فِيَّ , قَالَ : لَيْسَ لِكِتَابِ الْمَلِكِ مُرَاجَعَةٌ . قَالَ : فَذَبَحَهُ ، وَسَلَخَهُ ، وَحَشَاهُ تِبْنًا ، وَبَعَثَ بِهِ إِلَى الْمَلِكِ ، وَجَاءَ الرَّجُلُ ، فَقَامَ بِحِذَاءِ الْمَلِكِ ، فَقَالَ : أَحْسِنْ إِلَى الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ ، وَالْمُسِيءُ سَيَكْفِيكَ مَسَاوِئهُ , قَالَ لَهُ الْمَلِكُ : مَا فَعَلْتَ بِالْكِتَابِ الَّذِي كَتَبْتُهُ لَكَ ؟ قَالَ : لَقِيَنِي فُلَانٌ ، فَاسْتَوْهَبَنِي ، فَوَهَبْتُهُ لَهُ , قَالَ : إِنَّ فُلَانًا ذَكَرَ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنِّي أَبْخَرُ ؟ قَالَ : مَعَاذَ اللَّهِ ، مَا قُلْتُ هَذَا أَيُّهَا الْمَلِكُ , قَالَ : فَلِمَ وَضَعْتَ يَدَكَ عَلَى فِيكَ حِينَ قَرُبْتَ مِنِّي ؟ قَالَ : أَطْعَمَنِي طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى فِي ، كَيْ لَا تَشُمَّ مِنِّي رِيحَ الثُّومِ , قَالَ : صَدَقْتَ ، قُمْ ذَلِكَ الْمَكَانَ ، وَقُلْ كَمَا كُنْتَ تَقُولُ " *
الصفحة 238