كتاب فنون العجائب لأبي سعيد النقاش - ت: مشهور

حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ
[26] أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْجُرْجَانِيُّ ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَيْرٍ الرَّازِيُّ الْحَافِظُ ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْعَلَاءِ ، حَدَّثَنَا جَدِّي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَلَاءِ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عُمَارَةَ بْنِ حَزْنِ بْنِ الشَّيْطَانِ ، قَالَ : " كَانَتْ لَنَا حَرَّةٌ يُقَالُ لَهَا : حَرَّةُ الْحَدَثَانِ ، وَكَانَ إِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَهِيَ نَارٌ تَشْتَعِلُ ، وَإِذَا كَانَ النَّهَارُ فَهِيَ دُخَانٌ يَسْطَعُ ، وَكَانَتْ طَيِّئٌ تَغْشَى إِبِلَهَا بِضَوْءِ تِلْكَ النَّارِ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِ لَيَالٍ ، فَأَتَانَا خَالِدُ بْنُ سِنَانٍ مِنْ مُرَيْطَةَ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أُطْفِيَ عَنْكُمْ هَذِهِ النَّارَ ، فَلْيَقُمْ مَعِي مِنْكُمْ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ ، فَقَامَ مَعَهُ عَشْرَةُ رِجَالٍ وَكُنْتُ أَحَدُهُمْ ، حَتَّى أَتَى الْقَلِيبَ ، فَخَرَجَ مِنْهُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ ، ثُمَّ اسْتَدَارَ عَلَيْنَا حَتَّى صِرْنَا فِي مِثْلِ كِفَّةِ الْمِيزَانِ ، فَجَعَلْنَا نَتَّقِيهَا بِالْعَصِيِّ حَتَّى احْتَرَقَتْ ، ثُمَّ بِالنِّعَالِ حَتَّى احْتَرَقَتْ ، ثُمَّ بِالْعَمَائِمِ حَتَّى احْتَرَقَتْ ، فَقُلْنَا لَهُ : يَا خَالِدُ أَيْ أَهْلَكْتَنَا قَالَ : كَلَّا إِنَّهَا مَأْمُورَةُ ، وَإِنِّي مَأْمُورٌ ، ثُمَّ جَعَلَ يَضْرِبُهَا بِعَصَاهُ وَهُوَ يَقُولُ : بَدًا بَدًا ، كُلُّ حَقٍّ لِلَّهِ مُؤَدَّى أَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْأَعْلَى . فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُهَا حَتَّى رَدَّهَا إِلَى الْقَلِيبِ ، ثُمَّ تَقَدَّمَ خَلْفَهَا وَعَلَيْهِ قَمِيصَانِ لَهُ أَبْيَضَانِ ، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ : لَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا وَقَمِيصَاهُ يَنْطُفَانِ عَرَقًا ، وَهُوَ يَقُولُ : بَدًا بَدًا كُلُّ حَقٍّ هُوَ لِلَّهِ مُؤَدًّى أَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْأَعْلَى ، زَعَمَ ابْنُ رَاعِيَةِ الْمُعَزِّيُّ أَنِّي لَا أَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا قَالَ : فَأَهَلُ ذَلِكَ الْبَيْتِ يُدْعَوْنَ ابْنَ رَاعِيَةِ الْمُعَزِّيَّ إِلَى الْيَوْمِ فَقُلْنَا لَهُ : يَا خَالِدُ ، مَا الَّذِي رَأَيْتَ ؟ قَالَ : رَأَيْتُ أُخْرَى تَحُشُّهَا فَشَدَخْتُهُنَّ وَقَدْ طَفَأْتُهَا عَنْكُمْ ، وَكَانَتْ تَضُرُّنَا فِي الْكَلَأِ وَالْمَرْعَى " *
قَالَ : " وَكَانَ مِنْ أَعَاجِيبِهِ ، أَنَّهُ وَقَفَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : امْضُوا مَعِي ، فَمَضَيْنَا مَعَهُ ، حَتَّى أَتَى مَكَانًا مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ : احْفُرُوا فَاحْتَفَرُوا ، فَأَبْدَانَا عَنْ صَخْرَةٍ فِيهَا كِتَابٌ قَدْ زُبِرَ زَبْرًا وَحُفِرَ حَفْرًا : اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، فَاحْتَمَلْنَاهَا ، فَكَانَتْ إِذَا نَزَلَتْ بِنَا شِدَّةٌ أَبْدَأَنَا عَنْهَا ، فَتُكْشَفُ عَنَّا ، وَكُنَّا إِذَا قَحَطَ بِنَا الْمَطَرُ جَلَّلَهَا ثَوْبًا ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي ، وَيَدْعُو فَتُمْطِرُ ، حَتَّى إِذَا رُوِينَا كَشَفَ الثَّوْبَ ، فَيُمْسِكُ الْمَطَرُ " *
وَكَانَ مِنْ أَعَاجِيبِهِ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ امْرَأَتِي حَامِلٌ بِغُلَامٍ وَاسْمُهُ مُرَّةَ ، وَهُوَ أُحَيْمِرٌ كَالدُّرَّةِ ، وَلَنْ يُصِيبَ الْمَوْلَى مَعَهُ تَضِرَّةٌ ، وَلَنْ تَرَوْا مَا دَامَ فِيكُمْ مَعَرَّةً ، ثُمَّ قَالَ : إِنِّي مَيِّتٌ إِلَى سَبْعٍ ، فَادْفِنُونِي فِي هَذِهِ الْأَكَمَةِ ، ثُمَّ اخْرُجُوا إِلَى قَبْرِي بَعْدَ ثَالِثَةٍ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْعِيرَ الْأَبْتَرَ يَطُوفُ حَوْلَ قَبْرِي وَيَسُوفُ بِمَنْخَرِهِ فَانْبِشُونِي تَجِدُونِي حَيًّا أُخْبِرْكُمْ بِمَا يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، فَخَرَجُوا بَعْدَ ثَالِثَةٍ إِلَى قَبْرِهِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِالْعِيرِ الْأَبْتَرِ يَطُوفُ حَوْلَ قَبْرِهِ ، وَيَسُوفُ بِمَنْخَرِهِ ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَنْبِشَهُ فَمَنَعَنَا قَوْمُهُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا : لَا نَدَعُكُمُ تَنْبُشُونَهُ فَتُعَيِّرُنَا بِهِ الْعَرَبُ ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَتْهُ مُحَيَّاةُ بِنْتُ خَالِدٍ فَانْتَسَبَتْ لَهُ ، فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ وَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ ، وَقَالَ : " بِنْتُ أَخِي نَبِيًّا ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ " *

الصفحة 57