كتاب فنون العجائب لأبي سعيد النقاش - ت: مشهور

وَرَوَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ بِلَفْظٍ آخَرَ
[44] أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مَالِكٍ الْقَطِيعِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ وَهْبًا ، يَقُولُ : حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الرَّقِيمَ ، قَالَ : " هُمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ كَانُوا فِي كَهْفٍ ، فَوَقَعَ الْجَبَلُ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ ، فَأُوصِدَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : تَذَكُّرُوا أَيُّكُمْ عَمِلَ حَسَنَةً ، لَعَلَّ اللَّهَ بِرَحْمَتِهِ أَنْ يَرْحَمَنَا ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً ، كَانَ لِي أُجَرَاءٌ يَعْمَلُونَ ، فَجَاءَنِي عُمَّالٌ لِي ، فَاسْتَأْجَرْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ ، فَجَاءَنِي رَجُلٌ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَطَ النَّهَارِ ، فَاسْتَأْجَرْتُهُ بِشَطْرِ أَصْحَابِهِ ، فَعَمِلَ فِي بَقِيَّةِ نَهَارِهِ كَمَا عَمِلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي نَهَارِهِ كُلِّهُ ، فَرَأَيْتُ عَلَيَّ فِي الذِّمَامِ أَنْ لَا أُنْقِصَهُ مِمَّا اسْتَأْجَرْتُ بِهِ أَصْحَابَهُ ؛ لِمَا جَهَدَهُ فِي عَمَلِهِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : أَتُعْطِي هَذَا مِثْلَمَا أَعْطَيْتَنِي ، وَلَمْ يَعْمَلْ إِلَّا نِصْفَ نَهَارٍ ؟ فَقُلْتُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ، لَنْ أَبْخَسَكَ شَيْئًا مِنْ شَرْطِكَ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالِي أَحْكُمُ فِيهِ بِمَا شِئْتُ ، قَالَ : فَغَضِبَ ، وَذَهَبَ ، وَتَرَكَ أَجْرَهُ قَالَ : فَوَضَعْتُ حَقَّهُ فِي جَانِبٍ مِنَ الْبَيْتِ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ مَرَّتْ بِي بَعْدَ ذَلِكَ بَقَرٌ ، فَاشْتَرَيْتُ بِهِ فَصِيلَةً مِنَ الْبَقَرِ ، فَبَلَغَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَمَرَّ بِي بَعْدَ حِينٍ شَيْخٌ كَانَ ضَعِيفًا لَا أَعْرِفُهُ ، فَقَالَ : إِنَّ لِي عِنْدَكَ حَقًّا فَذَكَّرَنِيهِ ، حَتَّى عَرَفْتَهُ ، فَقُلْتُ : إِيَّاكَ أَبْغِي ، هَذَا حَقُّكَ ، فَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ جَمِيعَهَا ، فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْخَرْ بِي ، إِنْ لَمْ تَتَصَدَّقْ عَلَيَّ ، فَأَعْطِنِي حَقِّي ، قُلْتُ : وَاللَّهِ مَا أَسْخَرُ بِكَ ، إِنَّهَا لَحَقُّكَ ، مَا لِي مِنْهَا شَيْءٌ ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ جَمِيعًا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا قَالَ : فَانْصَدَعَ الْجَبَلُ حَتَّى رَأَوْا مِنْهُ وَأَبْصَرُوا قَالَ الْآخَرُ : قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً ، كَانَ لِي فَضْلٌ ، فَأَصَابَتِ النَّاسَ شِدَّةٌ ، فَجَاءَتْنِي امْرَأَةٌ تَطْلُبُ مِنِّي مَعْرُوفًا ، قَالَ : فَقُلْتُ : وَاللَّهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ فَأَبَتْ عَلَيَّ ، فَذَهَبَتْ ، ثُمَّ رَجَعَتْ ، فَذَكَّرَتْنِي بِاللَّهِ ، فَأَبَيْتُ عَلَيْهَا ، وَقُلْتُ : لَا وَاللَّهِ ، مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ ، فَأَبَتْ عَلَيْهِ ، وَذَهَبَتْ ، فَذَكَرَتْ لِزَوْجِهَا ، فَقَالَ لَهَا : أَعْطِيهِ نَفْسَكِ ، وَأَغْنِي عِيَالَكِ ، فَرَجَعَتْ إِلَيَّ ، فَنَاشَدَتْنِي بِاللَّهِ ، فَأَبَيْتُ ، وَقُلْتُ : وَاللَّهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَسْلَمَتْ إِلَيَّ نَفْسَهَا ، فَلَمَّا تَكَشَّفْتُهَا ، وَهَمَمْتُ لَهَا ، ارْتَعَدَتْ مِنْ تَحْتِي ، فَقُلْتُ لَهَا : مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ : أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ، قُلْتُ لَهَا : خِفْتِيهِ فِي الشِّدَّةِ ، وَلَمْ أَخَفْهُ فِي الرَّخَاءِ فَتَرَكْتُهَا ، وَأَعْطَيْتُهَا مَا يَحِقُّ عَلَيَّ بِمَا تَكَشَّفْتُهَا ، اللَّهُمَّ ، إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا قَالَ : فَانْصَدَعَ حَتَّى عَرَفُوا ، وَتَبَيَّنَ لَهُمْ قَالَ الْآخَرُ : قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً ، كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، وَكَانَتْ لِي غَنَمٌ ، فَكُنْتُ أَطْعِمُ أَبَوَيَّ وَأَسْقِيهِمَا ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى غَنَمِي قَالَ : فَأَصَابَنِي يَوْمًا غَيْثٌ حَبَسَنِي ، فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَمْسَيْتُ ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي ، فَأَخَذْتُ مِحْلَبِي ، فَحَلَبْتُ وَغَنَمِي قَائِمَةٌ ، فَمَضَيْتُ إِلَى أَبَوَيَّ ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا ، فَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أُوقِظَهُمَا ، وَشَقُّ عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَ غَنَمِي ، فَمَا بَرِحْتُ جَالِسًا ، وَمِحْلَبِي عَلَى يَدِي حَتَّى أَيْقَظَهُمَا الصُّبْحُ ، فَسَقَيْتُهُمَا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتُ لِوَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا " . قَالَ النُّعْمَانُ : لَكَأَنِّي أَسْمَعُ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْجَبَلُ طَاقْ ، فَفَرَجَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْهُمْ ، فَخَرَجُوا "

الصفحة 96