كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 1)

المحتلين لتفوقهم في معدات القتال، وفرضوا على السكان غرامة مقدارها عشرة ملايين من الفرنكات، ولجأوا الى أحط وسائل العسف والقسوة في تحصيلها، ونقموا على زعيم الحركة، فأمروا بنفيه الى مدينة دمياط.
جلت الحملة الفرنسية وعادت مصر إلى حكم العثمانيين، وفي خلال السنوات الخمس المتعاقبة تولى الحكم خمسة من الولاة، قتل منهم اثنان وطرد الباقون بعد أن سجنوا في القلعة. . كان آخر هؤلاء الولاة أحمد خورشيد، وكان رجلا ضيق الأفق، من بقايا الارستقراطية العثمانية، يدعى السيادة على كل شيء، ولكن دولته كانت تخذله فلا تمده بالمال والرجال. . كان في موقف حرج، فخزائنه خاوية من المال لدفع مرتبات الجند، والمماليك يغيرون على القرى ويتولون تحصيل الضرائب والاستيلاء عليها، وطبقات الشعب متذمرة من الكلف الفادحة المفروضة عليهم. فاحشدت في الأزهر جموع من التجار والصناع وطلبة العلم وجاهروا بالتمرد والعصيان، ثم أغلقوا المتاجر والمصانع والمنازل، حتى بدت القاهرة كمدينة مهجورة.
وانتهز محمد على أحد قواد الفرقة الألبانية غير النظامية فرصة تذمر طبقات الشعب، فصار يتودد إلى مكرم بوصفه زعيم الشعب، ويزوره سرا في الليل ويستميله بشتى الوعود، ويقسم له الإيمان الكاذبة بأنهم أن مكنوه من الحكم، فإنه يسير حسب نصوص الشرع، والإقلاع عن المظالم، ولا يبرم امرا إلا بمشورة العلماء، وانه إذا خالف هذه الشروط عزلوه، وأخرجوه من الحكم.
وصدق عمر مكرم هذه الوعود، وأخذ على عاتقه إقناع العلماء بمشاركته فكرته، وأذاع نداء على الشعب بالاجتماع امام المحكمة الشرعية. فلما كان اليوم التالي خرج الأفراد والجماعات من دورهم ومصانعهم ومتاجرهم، وأقبل المزارعون من الضواحي حتى احتشدت بهم الطرق والمسالك المؤدية إلى المحكمة، وكانوا جميعا يهتفون بقولهم: «يا رب يا متجلي أهلك العثمانلى»، وهم يقصدون طبعا الوالي العثماني، ثم

الصفحة 162