كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 1)

النظام الجديد، ولم تبق منها إلا آثار ضئيلة، تتمثل في إلقاء بعض الدروس العادية في علوم الدين أو اللغة بالجامع الأزهر وبعض المساجد الأخرى التي توجد بها المعاهد الدينية، وتقرأ فيها الكتب القديمة، ويشهدها الطلاب غير النظاميين، ولا سيما الغرباء وبعض أفراد الجمهور، وتعرف في ظل النظام الجديد بالأقسام العامة.
والواقع أن الحلقات القديمة لم تكن إلا المدرج الجامعي الحديث، وقد كانت تتفوق بلا ريب في عناصرها الجامعية على فصول الكليات الأزهرية، وكان خيرا لو أصلحت ونظمت على غرر الدراسات الجامعية العليا، التي يتولاها أعلام الأساتذة قد كان في استبقائها على هذا النحو تخليدا لذكرى الحلقات الأزهرية التاريخية التي كانت أيام ازدهارها من محاسن الدهر وآلاء الأزهر، وكانت في كثير من الأحيان مجمع الصفوة من الأساتذة والمستمعين.
ولقد اضطرم الصراع مدى حين بين الثقافتين القديمة والمحدثة، وقد أحرز الجديد نصره النهائي على تراث القديم وأساليبه، وتبوأت الثقافة المحدثة في مصر المكان الأول، وهي تؤكد هذا الظفر كل يوم بما تخرجه من جندها المستنير الطموح إلى الحياة العصرية، بكل ما أوتي من المزايا المعنوية والمادية. على أن ذلك لا يعني أن مهمة الأزهر قد انتهت، أو انها يجب أن تنتهي، بل بالعكس من ذلك أن للأزهر مهمة جليلة، يستطيع الاضطلاع بها إذا وفق إلى الوسائل والأساليب الصالحة لتأديتها.
تلك المهمة هي العمل على دعم رسالة الإسلام، ورسالة اللغة العربية والحضارة الإسلامية، بأساليب مستنيرة. . وقد كان الأزهر معقلا من معاقل هذه الرسالة طوال العصور الوسطى، والعصر التركي، وفي وسعه أن يكون معقلها اليوم 1
__________
1) الأستاذ عبد اللّه عنان في تاريخ الأزهر.

الصفحة 218