السودان، ذلك المنصب الذي ساعده على تسلق الحواجز السياسية، وإعلاء شأن كلمة الدين والحق بين الشمال والجنوب، فتتلمذ عليه الكثيرون من أبناء الجنوب، بعد أن استساغوا لذة الوطنية الإسلامية من شروح الشيخ الجليل لقضايا الوطن بين خلصائه وصفوة تلاميذه في السودان، وكان يعني بذلك المسلك أن رجل الدين إنما هو من رجال السياسة يدلي بدلوه فيها دون انغماس، حتى يكون القائد إلى تحقيق الوطنية الإسلامية، وفقا لتعاليم الدين، لا انحيازا إلى المعتقدات السياسية.
لقد كان الشيخ المراغى-رحمه اللّه-يعرف رسالة رجل الدين تماما، وهي رسالة العالم الذي يعمل للحياة كلها، وللوطن الإسلامي كله، فلا يصدر رأيا إلا إذا كان الرأي لبنة في بناء هذا الوطن الكبير. .
ومن ذلك، أن سلاطين باشا يوم أن عرض عليه قبول منصب قاضي قضاة السودان-قبل أن يتولى منصب رئيس المحكمة الشرعية العليا-اشترط لقبول المنصب أن يكون تعيينه فيه بأمر يصدره خديو مصر، لا رجال السلطة الإنجليزية في السودان.
وفي عام 1923 عين رئيسا للمحكمة العليا الشرعية، فواجه بمنصبه ذلك تلك الحوائل التي تمنى أن يقضي عليها بالمحاكم.
وكانت المحاكم الشرعية في ذلك الوقت تحكم في قضايا الزواج والطلاق وسائر الأحوال الشخصية، وفق القول الراجح من مذهب أبي حنيفة.
ولما كانت هناك أحكام أخرى تحقق التيسير على المتقاضين، فقد رأى أن يؤخذ بهذه الأحكام، وأن يعدل قانون المحاكم الشرعية.
وكان من رأيه الأخذ برأي ابن تيمية ومحمد بن قيم الجوزية في جعل الطلاق الثلاث في لفظ كلمة واحدة طلقة واحدة، وما كاد يجهر بهذ