كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 1)

ومحافظة عليها المترفون، لأنهم يعتقدون أن في الدين زوالا لهيبتهم وذهابا لعظمتهم، قال تعالى: وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ، وقد أرسل اللّه تعالى محمدا صلى اللّه عليه وسلّم إلى الناس كافة بدينه الذي ارتضاه لخلقه، واختاره لعباده، من يوم مبعثه إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها، فكان موقف أمته منه موقف الأمم السابقة من رسلها، ولم تستحدث الأيام خلقا، ولا حالت من الزمن العهود.
بدأ محمد صلى اللّه عليه وسلّم، بدعوة العرب، وكانوا وقتئذ أقل الناس حظا وأشقاهم عيشا، وأبينهم ضلالة، بأسهم بينهم شديد، يقتتلون لأقل الأمور وأحقر الأسباب، وكانوا متفرقين لا تجمعهم وحدة، ولا يشملهم نظام، وكان يجاور العرب دولتان عظيمتان: دولة الفرس، ودولة الروم الشرقية، استولت كل واحدة منهما على ما جاورها من بلاد العرب، وجعلت عليه حاكما من العرب، يعمل لها وينفذ إرادتها، ويرعى مصالحها، وبهذا الوضع كان العرب محصورين في جزيرتهم، قانعين بما فيها من مفاوز وصحراوات.
دعاهم صلى اللّه عليه وسلّم إلى خير الأمور، وأفضل الأعمال: دعاهم إلى عبادة اللّه وحده، وترك عبادة الأصنام، لأنها لا تضر ولا تنفع، ولا تعطي ولا تمنع، ولا تدفع عن نفسها أذاة، ولا تميط قذاة، ولا تخلق حصاة، ومع ظهور الحجة ووضوح البرهان، وتنبيههم للحق في كثير من الآيات، قال تعالى:
يا أَيُّهَا اَلنّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ، إِنَّ اَلَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اَللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اِجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ اَلذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ، ضَعُفَ اَلطّالِبُ وَاَلْمَطْلُوبُ إلى غير ذلك من الأمثال التي صرفها اللّه تعالى في كتابه، ومع كل ذلك لم يؤمنوا به، بل كذبوه أشد تكذيب وبالغوا في الإنكار، وقالوا: إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ.
ومن جهلهم زعموا أن دعوة النبي صلى اللّه عليه وسلّم الناس إلى عبادة اللّه، وترك عبادة الأصنام، لم تكن إلا لأنه صلوات اللّه عليه يكره الأصنام، ويريد الانتقام منها، لأن بعضها اعتراه بسوء، وألحق به ضررا، فقالوا: إِنْ نَقُولُ إِلاَّ

الصفحة 311