اِعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ، فكان ذلك صراعا بين الحق والباطل، وبين الحجة والبرهان، والجهل والطغيان، ولم يقفوا عند التكذيب والإنكار، بل تجاوزا ذلك إلى إيذائه وإيذاء من شرح اللّه صدورهم للإسلام، فقبلوا دعوته؛ وآمنوا برسالته. وفازوا بشرف السبق، وكلما بالغوا في الإيذاء، بالغ صلى اللّه عليه وسلّم في الصبر، واجتهد في الدعوة، وكان صلى اللّه عليه وسلّم شديد الحرص، عظيم الاهتمام بكثرة الأعوان والأنصار، ليتمكن بذلك من أداء مهمته، وتبليغ رسالته، فكان عليه السلام يتلقى من أقبلوا إلى مكة في موسم الحج، فيدعوهم إلى الإسلام، ويقرأ عليهم القرآن، فما أجابه أحد، ومنهم من رد عليه ردا قبيحا، وقد اجتهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم في مقابلة الوفود، ولم يصرفه إيذاء قريش عن دعوته، ولا الرد القبيح عن السعي في إدراك طلبته، فكان يقابل الوفود في كل موسم، ففي موسم التقى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم بجماعة من الخزرج، ولما عرض عليهم الإسلام قبلوه، فكان ذلك الاجتماع مقدمة النجح ووسيلة الفوز، فإنهم لما عادوا إلى أهلهم بالمدينة ذكروا لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، والدين الذي يدعو إليه، فأسلم منهم كثيرون، وفي موسم آخر حضر جمع من مسلمي المدينة والتقى بهم رسول اللّه وبايعوه، إن هاجر إليهم، على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، وبعد ذلك أمر صلوات اللّه عليه، أصحابه بالهجرة إلى المدينة واللحوق بإخوانهم، وقال لهم: «إن اللّه قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها» فخرجوا أرسالا، رجالا ونساء، إلا من حيل بينهم وبين الهجرة من المستضعفين، ولما رأت قريش أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم قد صارت له شيعة وأصحاب من غير بلدهم، وخرج أصحابه من المهاجرين إليهم، وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، ائتمروا على قتله قبل الهجرة حتى يأمنوا حربه. ولما علم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم ما أجمعت عليه قريش وعرف الليلة التي يريدون الفتك به في صبحها، توجه صلوات اللّه عليه إلى أبي بكر، وأخبره أن اللّه أذن له بالهجرة، فسأله الصحبة، فأجابه إليها، واتعد على الهجرة في تلك الليلة، وقد أمر النبي صلوات اللّه عليه علي بن ابي طالب أن ينام مكانه في تلك الليلة ويتسجى ببرده لئلا يرتاب أحد في وجوده، وأصبحت فتيان قريش ينتظرون