خروجه صلى اللّه عليه وسلّم للفتك به، فإذا بعلي يخرج إليهم، فعلموا أنهم باتوا يحرسون عليا. ولما علمت قريش بذلك ثارت ثائرتهم وأخذوا يقتصون الأثر، وجعلوا لمن يأتي به حيا مائة من الابل، وهاجر صلى اللّه عليه وسلّم بإذن اللّه وفي رعايته وحفظه إلى أن بلغ المدينة، ولما استقر بالمدينة أخذ ينشر دعوته ويبلغ رسالته إلى أن بلغ كل ما امر بتبليغه، وبذلك تمت الشريعة، وكمل النظام الذي وضعه العليم الحكيم.
والشريعة التي بلغها سمو بالعقول عن التقليد، واتباع القول بلا دليل، وأمر بالنظر فيما بث اللّه في الآفاق من آيات. ونصب في الكون من دلائل تدفعها إلى الاذعان بوجود اللّه، وبما له من صفات الكمال: من القدرة التامة والعلم المحيط والتفرد بالسلطان فيما عداه، يمضي فيه حكمه وينفذ قضاؤه، وعبادة وخضوع وتقرب وخشوع. شكرا لمن خلقهم، وأسبغ عليهم النعم الظاهرة والباطنة، وتهذيب نفوس، وتطهير قلوب، وبعد عن الآثام والذنوب، وتنزه عن الصغائر، وصدق في القول، وإخلاص في العمل، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وشجاعة ونجدة، وإعداد عدة لارهاب الأعداء، ومساواة فكلهم عند اللّه سواء، لا فرق بين عظيم وحقير وغني وفقير، لا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى اللّه والتقرب منه، ومساعدة الضعفاء والمحتاجين، وتعاون وتناصر، وتواد وتراحم وتعاطف وطاعة اللّه ورسوله وأولي الأمر من المسلمين. إلى غير ذلك مما أمرت به الشريعة. وحثت عليه. ورغبت فيه. وقد اعد اللّه تعالى للذين يعملون الصالحات سعادة الدنيا والآخرة، قال تعالى: وَعَدَ اَللّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا اَلصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اَلَّذِي اِرْتَضى لَهُمْ. وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً وقال تعالى: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا اَلصّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنّاتُ اَلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً. وقد عملت الأمة بتلك الشريعة، فآتت اعمالها الصالحة أكلها، وأثمرت ثمرتها في بناء الأمة على أسس متينة، وأخلاق عظيمة، وربطت بينها برباط التعاون والمساواة والألفة والمحبة، والدين والخلق، فاتحدت بعد تفرق،