كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 1)

كان يكتبها بعد إلقاء الدرس وتفهيمه على سبيل التسجيل والحفظ، لنكت هامة لينتفع القارىء، كما استفاد السامع.
وهذه هي المحاضرة الأولى من محاضراته:
الحمد للّه الذي نظم بين الانسان والبهائم أن خلقهم من طين، ثم جعل نسلهما من ماء مهين، ثم اقتضت العناية الإلهية أن رمى في أخلاط الصورة الإنسانية من إكسير العقل بلغة أهل صنعة الكيمياء، ما عرج به أعلا المعارج من الفضل والعلياء، فصار ممن قال اللّه سبحانه فيه-و من أصدق منه قيلا- وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي اَلْبَرِّ وَاَلْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ اَلطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً، فاستنزل بتدبيره الطير من الهواء واستخلص الحدث من لج الماء، واستعبد أجناس الحيوان طيرا وبهائم وسباعا، فمنها ما انتفع بلحومها، ومنها ما استمتع بجلودها وأصوافها وأوبارها استمتاعا، وجعل الفلك المحيط على عظم فضائه محصورا في سرادق فكره، بدل كون جسمه بالكون والفساد محصورا في سرادق ملكته وأسره، فهذا منفوعه الذي نفعه اللّه به في الدار الأولى، ثم جعله سلما يرتقي به إلى دائم البقاء في الدار الأخرى. فلولا نور استبصاره بالعقل، لما كانت رسالة عن مرسل تقبل، ولا أمر عن مرسل يؤخذ ويتحمل، ولا نفس بمعرفة توحيد اللّه سبحانه ترتسم وتنير، ولا لسان بمعارف الآخرة بين اللهوات يدور. وصلى اللّه على محمد خير رسول، استنار بنور سراجه، وسار على واضح منهاجه، وعلى وصيه الذي عرج به من أفق المجد إلى أعلا معراجه، وعلى آله الداعين إلى عذب المشرب وفراته، الناهين عن ملحه وأجاجه.
معشر المؤمنين: جعلكم اللّه ممن استنارت بنور العقل قلوبهم، وتجافت عن مضاجع الجهل جنوبهم، إن قوما من الآخذين الدين بالعادات، والجارين فيه على آثار الوالدين والوالدات، زعموا أن شرائع الأنبياء عليهم السلام التي هي أسباب النجاة، والطريق إلى دائم الحياة على غير العقل موضوعها. وفي سوى موقعه وقوعها فلو أنهم أنعموا

الصفحة 50