كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 1)

النظر، وجردوا من شوب العصبية والهوى الفكر، لعلموا أن أحدهم لو قيل له في شيء من خاصة أعماله، وما يصدر عنه من أقواله وأفعاله، إن فعلك هذا على غير أساس العقل موضوعه، ولا من مطالعه طلوعه، لاستشاط من ذلك غضبا، ولقام له مكذبا، وفي مثل هذه المواجهة مستذنبا، فكيف يرضون للأنبياء الذين هم سادات دينهم، والوسائط بينهم وبين ربهم ما لو قابلهم بمثله مقابل لكرهوه، أم كيف لا يعتبرون أن الخطاب في كتاب اللّه كله مع أولي الألباب بقوله اللّه تعالى: «فَاتَّقُوا اَللّهَ يا أُولِي اَلْأَلْبابِ وقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي اَلْأَلْبابِ، وما يجري مجراه مما كثر وتكرر، وليس يخلو من كون هذه الأوضاع الشرعية ليس لها برهان من العقل عند الرسول عليه السلام، الآتي بها نفسه أو كون البرهان عنده فلم يشعر به، فإن كان لا برهان لها عنده فهو فحش، فلو أن سائلا سأله عن العلة التي اقتضت أن يجعل الصلاة خمسا، ولا يجعلها ستا، فكان يقول لا أدري، لكفاه طعنا أن يأتي بشيء لا يدري العلة فيه إذا سئل عنها، وإن كان لها برهان عند نفسه عقلى-و البرهان مما يجمل الأقوال والأفعال-ثم لم يظهره فلم يقم إذن بحق البلاغ، وهذا منتف عن الرسول عليه السلام، لأنه بلغ وقال في النادي: «اللهم اشهد أني بلغت» وسوى هذا فمعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكلف تكليف الشريعة إلا ذا عقل، فكيف يكلف ذا عقل ما كان موضوعه على غير عقل، لأن ما كان موضوعه على غير عقل، فهو بغير ذي عقل أولى منه بذي عقل، وما السبب في تولية العقل أولا وعزله آخرا؟ ولما لا تكون التولية آخرا ككونها أولا، أو العزل أولا ككونه آخرا؟ وهذا مما لا خفاء به على منصف.
والمعلوم أن الفلاسفة يدعون العلوم العقلية والأمور الحقيقية، وأن المسلمين يكفرونهم مع ذلك، لانقطاعهم عن سبب الرسالة، وقولهم أنهم غنوا عن الأنبياء في معرفة معالم نجاتهم، وأن الحاجة إليهم لسياسة أمور الدنيا فقط، بتحصين الدماء والأموال، ومنع القوي عن الضعيف.

الصفحة 51