كتاب الأزهر في ألف عام (اسم الجزء: 1)

القوم إلى القصر وقد فرشت أروقته بالحصر بدل البسط، فيجدون صاحب الباب في انتظارهم فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه والناس على اختلاف مراتبهم، ويقرأ القراء وينشد المنشدون على النحو السابق. ثم يمد في القاعة سماط الحزن عند الظهر، وليس فيه سوى العدس والألبان والأجبان الساذجة والأعسال النحل والخبز الأسمر، ويدخل من شاء لتناول الطعام فإذا انتهى القوم انصرفوا إلى دورهم. ويعم الحزن والنواح القاهرة في ذلك اليوم، وتعطل الأسواق ويعتكف الناس حتى العصر، ثم تفتح الأسواق وتسترد العاصمة شيئا من نشاطها ومظهرها العادي 1.
وفي ليالي الوقود الأربع، وهي ليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان وليلة نصفه، كان الخليفة يقصد مساء إلى منظرة الجامع الأزهر، وكانت بجواره من الجهة القبلية وتشرف عليه ويجلس الخليفة في هذه المنظرة ومعه حرمه، وذلك لمشاهدة الزينات المضيئة والاحتفالات الفخمة التي كانت تقام في تلك الليالي الشهيرة 2. وإليك وصف المسبحى لبعض هذه الليالي. قال في حوادث شهر رجب سنة 380 ه‍ «و فيه خرج الناس في لياليه على رسمهم في ليالي الجمع وليلة النصف إلى جامع القاهرة (يعني الجامع الأزهر) عوضا عن القرافة، وزيد فيه في الوقيد على حافات الجامع، وحول صحنه التنانير والقناديل والشمع على الرسم في كل سنة، والأطعمة والحلوى والبخور في مجامر الذهب والفضة وطيف بها، وحضر القاضي محمد بن النعمان ليلة النصف بالمقصورة ومعه شهوده ووجوه البلد، وقدمت إليه سلال الحلوى والطعام وجلس بين يديه القراء وغيرهم والمنشدون والناحة وأقام إلى نصف الليل، وانصرف إلى داره بعد أن قدم إلى من معه أطعمة من عنده وبخرهم»، وقال في حوادث شعبان من نفس السنة «و في ليلة النصف من شعبان كان للناس جمع عظيم بجامع القاهرة من الفقهاء والقراء والمنشدين وحضر
__________
1) راجع خطط المقريزي ج 2 ص 289 - 291، والنجوم الزاهرة ج 5 ص 153 - 154.
2) الخطط ج 2 ص 181 و345

الصفحة 69