كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 1)

الكتاب والسنة وصف له بأنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباينه ولا مداخله، فيظن المتوهم أنه إذا وصف بالاستواء على العرش كان استواؤه كاستواء الإنسان على ظهور الفلك والأنعام، كقوله: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} 1 فيتخيل أنه إذا كان مستوياً على العرش كان محتاجاً إليه كحاجة المستوي على الفلك والأنعام، فتعالى الله وتقدس، فهذا خطأ في مفهوم استوائه تعالى على العرش حيث ظن أنه مثل استواء الإنسان، فإنه ليس في اللفظ ما يدل على ذلك، لأنه تعالى أضاف الاستواء إلى نفسه الكريمة كما أضاف إليه سائر أفعاله وصفاته، فذكر أنه خلق ثم استوى كما ذكر أنه قدر فهدى، فلم يذكر استواء مطلقاً يصلح للمخلوق ولا عاماً يتناول المخلوق، كما لم يذكر مثل ذلك في سائر صفاته.
وقد علم أنه تعالى الغني عن الخلق، وأنه الخالق للعرش ولغيره، وأن كل ما سواه مفتقر إليه، وهو الغني عن كل ما سواه، فكيف يجوز أن يتوهم أنه تعالى إذا كان مستوياً على العرش كان محتاجاً إليه، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، هل هذا إلا جهل محض وضلال ممن فهم ذلك وتوهمه أو ظنه ظاهر اللفظ أو جوزه على رب العالمين الغني عن الخلق المجيد المتعال؟ انتهى.
وقد ذكر في تفسير آية الكرسي- وهو مجلد كبير- مثل ذلك، وهكذا في كثير من كتبه، ولم نر في شيء من كتبه ما نقله النبهاني الأفاك أنه قال إن الله يجلس على العرش وأنه قد أخلى مكاناً يقعد معه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ولا ذكره أحد ممن ينتمي إليه من تلامذته وأصحابه، كالحافظ ابن القيم، وكتبه ها هي بين الأيدي، وكالحافظ الذهبي وكتبه في البلاد والأقطار منتشرة، وكالحافظ الإمام ابن قدامة، وكالحافظ ابن كثير، وغيرهم ممن لا يحصون كثرة، والعجب ممن لا يلتفت إلى صريح كلامه ونص عبارته، ويعتبر ما يسمعه من أفواه خصومه وأعدائه، كابن حجر المكي والسبكي والزبيدي ونحوهم من الغلاة، وترى هؤلاء
__________
1 سورة الزخرف: 12- 13.

الصفحة 630