كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 1)

يدافعون عن بعض المتصوفة وقد تكلموا بكلمات الكفر، فيجهدون كل الجهد في تأويلها، ويتعسفون في تصحيحها، ويحتجون على ذلك بأنهم تكلموا أحياناً بما يوافق الحق، حتى أني تكلمت يوماً مع بعض الغلاة فيما قاله صاحب الفصوص والفتوحات من الكلمات المصرحة بالحلول والاتحاد، وذكرت له ما قاله فيها العلامة السعد التفتازاني، والشيخ علي القاري، والشيخ محمد البخاري وغيرهم. فقال: إن هؤلاء لم ينصفوا، فإن صاحب الفصوص قد صرح بعقيدة الإسلام في كثير من كتبه، فمن الواجب أن نصرف ما نسمع من كلامه المخالف للحق إلى ما يوافقه، ونحمله على محمل حسن، كما أولوا قوله: سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها؛ أي: عين وجودها الماسك لها، ونحو ذلك صيانة لهؤلاء الكمل من الوقيعة فيهم. فقلت: فما قولك في مسلم يصلي ويصوم ويزكي ويحج البيت وقد تكلم بالكفر هل تؤوّل كلامه وتصرف عنه موجب الكفر؟ أم تقول بما قاله الفقهاء في كتاب الردّة؟ ثم إنكم لم تذبوا عن ابن تيمية وتعتذروا عنه بمثل ما اعتذرتم عن شيخكم، وقد ملأ الكتب من الإيمان بالته ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتتشبثون بالقدح فيه بما زوره عليه أئمتكم مما لا وجود له في كتبه ولا كتب أصحابه، فكان من الواجب عليكم أنه إذا ثبت عنه شيء مذكور في كتبه أن تجتهدوا في حمله على محمل حسن، ولم تشتموه كما شتمه أئمتكم وأسلافكم، فلم يجب بشيء وأعرضت عن مكالمته.
ثم إن الذي نقلناه عنه مما هو مذكور في كتاب العرش، وتفسير آية الكرسي، والتدمرية، وغير ذلك من كتبه قد قال به السلف، وصرح به كثير من المتأخرين أيضاً.
قال الإمام أبو العباس عماد الدين أحمد الواسطي الصوفي المحقق العارف تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية- قدس الله سرهما، وهو الذي قال فيه شيخ الإسلام إنه جنيد زمانه- في رسالته "نصيحة الإخوان" ما حاصله: أن الله عز وجل كان ولا مكان، ولا عرش ولا ماء، ولا فضاء ولا هواء، ولا خلاء ولا ملاء، وأنه كان منفرداً في قدمه وأزليته، متوحداً في فردانيته، لا يوصف بأنه فوق كذا إذ لا شيء

الصفحة 631