كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني (اسم الجزء: 1)

محيط بها، وليس هناك شيء من الآدميين وما يتبعهم، ولو قدر أن هناك أحد لكان على ظهر الأرض ولم يكن من في هذه الجهة تحت من في هذه الجهة، ولا من في هذه تحت من في هذه، كما أن الأفلاك محيطة بالمركز، وليس أحد جانبي الفلك تحت الآخر، ولا القطب الشمالي تحت القطب الجنوبي ولا بالعكس.
وإن كان الشمالي هو الظاهر لنا فوق الأرض وارتفاعه بحسب بعد الناس عن خط الاستواء، فما كان بعده عن خط الاستواء ثلاثين درجة مثلاً كان ارتفاع القطب عنده ثلاثين درجة، وهو الذي سمى عرض البلد.
فإذا قدر أن العرش مستدير محيط بالمخلوقات كان هو أعلاها وسقفها، وهو فوقها مطلقاً، فلا يتوجه الإنسان إليه وإلى ما فوقه إلا من العلو من جهاته الباقية، ومن توجه إلى الفلك التاسع أو الثامن أو غيره من غير جهة العلو كان جاهلاً باتفاق العقلاء، فكيف بالتوجه إلى العرش أو إلى ما فوقه، وغاية ما يقدر أن يكون كري الشكل، والله تعالى محيط بالمخلوقات كلها إحاطة تليق بجلاله، فإن السموات السبع والأرض في يده أصغر من الحمصة في يد أحدنا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما السموات السبع وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم". وهذا الأثر وأمثاله معروف في كتب الحديث.
قال شيخ الإسلام: ومن المعلوم أن الواحد منا- ولله المثل الأعلى- إذا كان عنده خردلة إن شاء قبضها فأحاطت بها قبضته، وإن شاء لم يقبضها بل جعلها تحته، فهو في الحالين مباين لها، والعرش- سواء كان هذا الفلك التاسع الذي هو الفلك الأطلس عند الفلاسفة ويسمونه الفلك الأعظم وفلك الأفلاك، أو كان جسماً محيطاً بالفلك التاسع أو كان فوقه من جهة وجه الأرض- غير محيط فيجب على كل حال أن يعلم أن العالم العلوي والسفلي بالنسبة إلى الخالق

الصفحة 634