كتاب جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة الأولى

وقال أبو علي الفارسي قولاً ثالثًا، قال: ليس الأمر كما ادّعاه من قال بتكرير اللفظ، لأن العود قد يكون إلى شيء لم يكن الإنسان عليه، وقيل: سُمِّيَتِ الآخرة معادًا، ولم يكن فيها أحدٌ ثم عاد إليها.
وقال الهذلي (1):
وعَادَ الفَتَى كالطفلِ ليس بقائلٍ سوى الحق شيئًا واستراحَ العواذِلُ
وهذا أيضًا ضعيف من وجوه:
أحدها: أن لفظ العود لابُدَّ أن يتضمن رجوعًا عن شيء أو إلى شيء، فقوله "وعاد الفتى كالطفل"، وقوله:
.... فعادَا بعدُ أبوالاَ (2)
وفي الحديث (3): "تعاد روحها" هو رجوع عن حالٍ كانوا عليها إلى حال أخرى. فأما الأمر المبتدأ إذا فعله الإنسان فلا يقال: إنه عاد إليه.
وأيضًا فما ذكروه إنما هو في لفظ العود مجردًا، فماذا قيل: عاد إلى كذا، ورجع إليه، وعاد فيه، كما قال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ) (4)، وقال أصحاب الكهف: (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ
__________
(1) أبو خراش الهذلي كما في "شرح أشعار الهذليين" (3/ 1223). وروايته؟ "كالكهل" و"سوى العدل".
(2) تمام البيت:
تلك المكارمُ لا قَعبانِ من لبن شِيبا بماء فعادَا بعدُ أبوالاَ
وهو لأبي الصلت بن ربيعة الثقفي من قصيدة له، ويروى أيضا للنابغة الجعدي.
انظر "سمط اللآلي" (1/ 281) و"طبقات فحول الشعراء" (1/ 58،260 - 262).
(3) أخرجه أحمد (4/ 287، 288) وأبو داود (4753) عن البراء بن عازب ضمن حديث طويل.
(4) سورة المجادلة: 8.

الصفحة 402