كتاب آثار ابن باديس (اسم الجزء: 1)

3 - قد علم الله حاجة عباده إلى التذكير، فاصطفى منهم رجالاً أنعم عليهم بكمال الفكرة ووقاية العصمة، وأرسلهم لتذكير العباد {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (1)}، {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (2)}.
فالأنبياء والمرسلون- عليهم الصلاة والسلام- هم أولو هذا المقام الجليل، مقام التذكير. ثم من بعدهم ورثتهم من العلماء العاملين.
4 - قد كان النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- على سنَّة إخوانه من الأنبياء والمرسلين- عليهم الصلاة والسلام- في القيام بتذكير العباد متمثلاً أمر ربه- تعالى- له بقوله: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (3)}.
إذ السيطرة لا تكون على القلوب والإيمان- وهو من أعمال القلب- لا يكون بالإكراه وإنما يكون بذكر الحجج والأدلة، وكذلك كانت سنة المرسلين في الدعوة إلى الله كما قصَّها علينا القرآن الكريم في كثير من السور والآيات.
كان- صلى الله عليه وآله وسلم- يذكرهم بقوله وعمله وهديه وسمته، وكان ذلك كله منه على وفق هداية القرآن وحكمه، وقد قالت عائشة الصديقة- رضوان الله عليها- لما سئلت عن خلقه- والخلق
__________
(1) 4/ 164 النساء.
(2) 26/ 208 الشعراء.
(3) 88/ 21 الغاشية.

الصفحة 126