كتاب آثار ابن باديس (اسم الجزء: 1)

وفي مثل: ذَكَّرْتَنِي الطَّعْنَ وَكُنْتُ نَاسِيَا (1).
3 - فالمعنى الأصلي للذكر محلُّه القلب، إذ القلب محل ضده النسيان، والضدان إنما يتضادان في محل واحد، قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا (2)} أي جعلنا قلبه غافلاً عن ذكرنا. فالغفلة في القلب والذكر في القلب. وأخوات الذكر- كالذكرى، والتذكير والذُكر، بضم الذال،- كلها من أعمال القلب، وهو مثلها. وأما الصمت الذي هو من شأن اللسان فليس ضداً له كما قد قيل، وإنما هو ضد في كلام العرب لأعمال لسانية كالنطق في قولهم في المال (ناطق وصامت) وما في الحديث: "فليقل خيراً أو ليصمت".
4 - ثم يطلق الذكر إطلاقاً شائعاً على ما يجري على اللسان مما يخبر به عما في القلب ويعبر عنه، ومنه قوله تعالى: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)}.
وسمى الله- تعالى- القرآن ذكراً كما في قوله: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ (4)} لأن آياته متلوَّة بالألسنة ومعانيه حاضرة في القلوب. ومثله في هذه التسمية كلمات التسبيح والحمد والتهليل والتكبير من جميع الأذكار. ويقال في كل عمل من أعمال الطاعة ذكر، لأنها كلها مرتبطة
__________
(1) أنظر مجمع الأمثال 279/ 1، المثل رقم 1469 وتمامه:
ردوا على أقربها الأقاصيا ... إنَّ لها بالمشرفيّ حادياً
ذكَّرتْني الطَّعن وكنت ناسيا
(2) 28/ 18 الكهف.
(3) 3/ 37 الصافات.
(4) 21/ 50 الأنبياء.

الصفحة 130