كتاب آثار ابن باديس (اسم الجزء: 1)

الدِّينِ} ووجه الدليل من الآية أن إبراهيم- عليه السلام- أخبر عن نفسه بصيغة المضارع المفيد للتجدد أنه يطمع من الله أن يغفر له خطيئته، فدل ذلك على أنه كان في عبادته طامعاً ومعلوم أنه معصوم وأنه مؤمن من العذاب، وأن ما سماه خطيئة هو بالنسبة إلى مقامه الرفيع من باب «حسنات الأبرار سيئات المقربين» ومع ذلك كله فالمقصود من الدليل حاصل وهو أنه خاف المؤاخذة- المؤاخذة اللائقة بمقامه- وطمع في الغفران وكانت عبادته على الطمع والخوف. ولا يقال أنه كان معلما للناس لأنه إخبار عن نفسه وخبره صدق ثابت فلا بد أن يكون كما أخبر.
وأما السنة فمنها دعاء القنوت المشهور (نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد) ووجه الدليل منه أن الصلاة أشرف أحوال العبد وأجل مقاماته وأعظم عباداته وقد علم أن يدعو فيها هذا الدعاء الصريح في رجاء الرحمة وخوف العذاب وما كان ذلك إلا لأن العبادة الشرعية موضوعة عليهما.
ومنها حديث: (وأما السجود فادعوا فيه، فقمن أن يستجاب لكم) وهو حديث صحيح، وفي الصحيح أيضاً (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) ووجه الدليل أن أقرب أحوال العبد من ربه هو محل للدعاء، والداعي يرجى القبول ويخاف المنع، فالعبادة في أقرب أحوال العبد موضوعة على الرجاء والخوف.
ومنها الحديث الصحيح: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك اللهم آمنت بكتابك الذي أنرلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم به) ووجه الدليل منه أنه تعليم لما يقوله المسلم فيما قد يكون آخر حال يلقى

الصفحة 452