كتاب آثار ابن باديس (اسم الجزء: 1)

الإسلامي. فعبد الحميد بن باديس مفسر للقرآن تفسيراً سلفياً يراعي فيه مقتضيات العصر معتمداً على بيان القرآن للقرآن، وبيان السنة له، وعلى أصول البيان العربي وسننه، والنفاذ إلى لغة العرب وآدابها، وقوانين النفس البشرية وسنن المجتمع الإنساني، وتطور التاريخ والأمم وهو محدِّث من الطراز العالي لا يستشهد إلا بالأحاديث الصحيحة المسندة إلى الصحاح الست، إلى البخاري أو مسلم أو الموطأ الذي اهتم به واعتبر منهجه في الاستدلال خير المناهج، فدرسه وختمه كما ختم القرآن في ربع قرن. والظاهرة الواضحة في الحياة العلمية التي نهض بها هي: الناحية النقدية المنهجية التي تردُّ الفروع لأصولها، والأصول لمستنداتها، فأذهب ذلك الجوَّ القاتم الساكن المستسلم الذي يسمع فيه الطالب ويسلِّم معتقداً أن "سلِّم تسلم" وأن "سلِّم للرجال على كل حال" مبدأ لا ينبغي تحديه، ولا تجاوزه، وهو ما كان سائداً قبل حركته. وهو كاتب ذو سلاسة وعذوبة وسهولة، وأسلوبه أسلوب سهل ممتنع لا يستعمل السجع، ولا يتكلفه، كيف لا، وهو الدارس لكتاب الأمالي وديوان الحماسة، وديوان المتنبي، ومقدمة ابن خلدون، والعواصم من القواصم، ودلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة، ومن قبل ذلك كله، معجزة الأدب العربي، وآية روعته: القرآن، وجمال حديث صاحب جوامع الكلم، وأفصح من نطق من بني يعرب؟ وهو شاعر يفيض الشعر من قلبه، وخطيب ينسيك سحبان وقس، لا يتلعثم ولا يتردد، يستولي على النفوس ويملك العقول. وهو فقيه مطلع على مدارك المذاهب، وخاصة مذهب الإمام مالك، جامع بين الأصول والفروع، وبين المآخذ الكلية وجزئيَّاتها، يفتي ويربط الحوادث بأحكامها، وهو مصلح ديني واجتماعي يحارب التقليد والبدع، ويدعو للنهضة والحضارة، ويغرس الحب وأصول الأخلاق التي هي جوهر المدنية. يقول: "أنا زارع محبة ولكن على أساس من العدل والإنصاف

الصفحة 91