كتاب إعراب القراءات السبع وعللها ت العثيمين (اسم الجزء: 1)
وفيها أيضا: «أن يخسف بِكُم» مدغما رواه أبو الحارث عن الكسائى لقرب الفاء من الياء.
والباقون يظهرون وهو الاختيار، لأنّ الباء تخرج من بين الشّفتين، الفاء من باطن الشّفة السّفلى والثّنايا العليا.
١٨ - وقوله تعالى: {وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى} [٧٢].
قرأ أهل الكوفة بالإمالة فيهما إلا حفصا فإنه فتحهما؛ لأنّ الياء متطرفة وهو رباعىّ فأمالوا ذلك، والعرب قد تميل ذوات الواو إذا كان رباعيا نحو قوله:
{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى} (¬١) فكيف بذوات الياء.
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر بالتّفخيم فيهما، وحجّتهم: أن الياء فيهما قد صارت ألفا لانفتاح ما قبلها، والأصل: ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى؛ من كان فيما وصفنا من نعيم الدّنيا أعمى فهو فى نعيم الآخرة أعمى.
وكان أبو عمرو (¬٢) أحذقهم ففرّق بين اللّفظين لاختلاف المعنيين فقرأ:
«ومن كان فى هذه أعمى» بالإمالة {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى} بالفتح أى:
أشدّ عمى، فجعل الأوّل صفة بمنزلة أحمر وأصفر. والثانى بمنزلة أفعل منك.
فإن قيل: إنما يقال: هو أشدّ عمى فلم قال تعالى: {فِي الْآخِرَةِ أَعْمى} ولم يقل: أشدّ عمى؟ .
فالجواب فى ذلك: أنّ العمى على/ضربين: عمى العين وعمى القلب فيقال: ما أشدّ عماه فى العين، وفى القلب: ما أعماه، بغير أشدّ، لأنّ عمى
---------------
(¬١) سورة البقرة: آية: ٦١.
(¬٢) حجة أبي زرعة، وصدرها بقوله: قال أبو عبيد: «وكان أبو عمرو ... ».