كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)

وأبدا بموقف الإمام أبى حنيفة: الّذي يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص إذ يقول:
«ثم الإيمان لا يزيد ولا ينقص لأنه لا يتصور زيادة الإيمان إلا بنقصان الكفر ولا يتصور نقصان الإيمان إلا بزيادة الكفر فكيف يجوز أن يكون الشخص الواحد فى حالة واحدة مؤمنا وكافرا والمؤمن مؤمن حقا وليس فى إيمان المؤمن شك كما أنه ليس فى كفر الكافر شك» «1». ويقول أيضا: «و إيمان أهل السماء والأرض لا يزيد ولا ينقص، والمؤمنون مستوون فى الإيمان والتوحيد» «2». ه. إن ثبت هذا عنه.
فكل ما ذكره- رحمه اللّه- مردود شرعا وعقلا، وقد تقدمت أدلة صريحة على زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب والسنة. كما أن تصور الزيادة والنقص فى الإيمان واضح جلى، هذا من جهة الشرع ومن جهة العقل لا يمكن وبحال تصور إيمان الملائكة والرسل مساويا لإيمان بقية البشر.
مذهب المعتزلة: المعتزلة يقولون بزيادة الإيمان ونقصه. لكن الزيادة والنقص لها مفهوم آخر عندهم مخالف لمفهوم أهل السنة. فهم يرون أن الإيمان يزيد وينقص من ناحية التكاليف فقط. فالناس متفاوتون من حيث التكليف، وقد يقام التكليف على أحدهم ويسقط عن الآخر، فالفقير مثلا يسقط عنه تكليف الزكاة لأنه لا يجد حد النصاب حتى يزكى بعكس الغنى؛ لذا يرون أن الغنى أكمل إيمانا بالنظر إلى زيادة التكليف فى حقه على الفقير، فهم ينظرون إلى الزيادة والنقص التى أقروها من هذا الجانب ولا يدخلون العمل والتصديق فيها، لأنهم يعتقدون أن تصديق القلب شيء يجب أن يكون على جميع المكلفين بمستوى واحد أيضا فهو لا يزيد ولا ينقص وإنما الزيادة والنقص تكون بالنسبة لفوارق التكليف وكذلك العمل فإن نظروا إليه فإنما ينظرون إليه من الناحية التكليفية كما قدمنا، أما أن يكون العمل وسيلة لزيادة الإيمان، والمعصية وسيلة لنقص الإيمان فهذا ما ينكرونه بالجملة، لأن من المقرر فى قواعدهم أن مرتكب المعصية خرج من الإيمان ولم يدخل فى الكفر وهو ما يعبرون عنه بالمنزلة بين المنزلتين «3».
___________
(1) شرح الفقه الأكبر ص: 71.
(2) شرح الفقه الأكبر ص: 70.
(3) انظر: متشابه القرآن للقاضى عبد الجبار: 1/ 312 - 313.

الصفحة 102