كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)
ومنها: أن التصديق المستلزم لعمل القلب أكمل من التصديق الّذي لا يستلزم عمله، فالعلم الّذي يعمل به صاحبه، أكمل من العلم الّذي لا يعمل به، وإذا كان شخصان يعلمان أن اللّه حق، ورسوله حق، والجنة حق، والنار حق، وهذا علمه أوجب له محبة اللّه وخشيته والرغبة فى الجنة، والهرب من النار، والآخر علمه لم يوجب ذلك، فعلم الأول أكمل، فإن قوة المسبب دالة على قوة السبب، وهذه الأمور نشأت عن العلم، فالعلم بالمحبوب يستلزم طلبه، والعلم بالمخوف، يستلزم الهرب منه، فإذا لم يحصل اللازم، دل على ضعف الملزوم ولهذا قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: «ليس المخبر كالمعاين» فإن موسى لما أخبره ربه أن قومه عبدوا العجل، لم يلق الألواح، فلما رآهم قد عبدوه، ألقاها «1»، وليس ذلك لشك موسى فى خبر اللّه، لكن المخبر وإن جزم بصدق المخبر، فقد لا يتصور المخبر به فى نفسه، كما يتصوره إذا عاينه، بل يكون قلبه مشغولا عن تصور المخبر به، وإن كان مصدقا به، ومعلوم أن عند المعاينة، يحصل له من تصور المخبر به، ما لم يكن عند الخبر، فهذا التصديق أكمل من ذلك التصديق.
ومنها: أن أعمال القلوب مثل محبة اللّه ورسوله، وخشية اللّه تعالى ورجائه، ونحو ذلك، هى كلها من الإيمان، كما دل على ذلك الكتاب والسنة واتفاق السلف، وهذه يتفاضل الناس فيها تفاضلا عظيما.
ومنها: أن الأعمال الظاهرة مع الباطنة، هى أيضا من الإيمان والناس يتفاضلون فيها.
ومنها: ذكر الإنسان بقلبه ما أمره اللّه به واستحضاره لذلك، بحيث لا يكون غافلا عنه، أكمل ممن صدق به وغفل عنه، فإن الغفلة تضاد كمال العلم والتصديق والذكر، والاستحضار يكمل العلم واليقين. اه.
___________
(1) رواه الإمام أحمد: 1/ 215، 271