كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)

هذا بأن معنى الآية: قُولُوا أَسْلَمْنا انقدنا بظواهرنا، فهم منافقون فى الحقيقة، وهذا أحد قولى المفسرين فى هذه الآية الكريمة. وأجيب بالقول الآخر ورجح، وهو أنهم ليسوا بمؤمنين كاملى الإيمان لا أنهم منافقون كما نفى الإيمان عن القاتل، والزانى، والسارق، ومن لا أمانة له. يؤيد هذا سياق الآية، فإن السورة من أولها إلى هنا فى النهى عن المعاصى، وأحكام بعض العصاة، ونحو ذلك، وليس فيها ذكر المنافقين. ثم قال بعد ذلك: وإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً «1» ولو كانوا منافقين ما نفعتهم الطاعة، ثم قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا «2» الآية، يعنى- واللّه أعلم- أن المؤمنين الكاملى الإيمان، هم هؤلاء، لا أنتم بل أنتم منتف عنكم الإيمان الكامل، يؤيد هذا: أنه أمرهم، أو أذن لهم أن يقولوا: أسلمنا، والمنافق لا يقال له ذلك، ولو كانوا منافقين لنفى عنهم الإسلام، كما نفى عنهم الإيمان، ونهاهم أن يمنوا باسلامهم فأثبت لهم إسلاما ونهاهم أن يمنوا به على رسوله، ولو لم يكن إسلاما صحيحا لقال: لم تسلموا، بل أنتم كاذبون، كما كذبهم فى قولهم: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ «3» «4». اه.
وهناك رأى ثالث فى المسألة وهو القول بالتلازم بينهما مع افتراقهما فمتى قرن الإسلام والإيمان كان المراد بالإسلام الأعمال الظاهرة والمراد بالإيمان أعمال القلب- وهذا يدل عليه حديث جبريل عليه السلام عند ما سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: «يا محمد أخبرنى عن الإسلام فقال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال صدقت. قال فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال فأخبرنى عن الإيمان: قال أن تؤمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: صدقت ... الحديث «5» وإن ذكر أحدهما شمل الآخر. وهو ما يدل عليه حديث وفد عبد القيس حيث فسر الإيمان
___________
(1) سورة الحجرات/ 14.
(2) الحجرات/ 15.
(3) سورة المنافقون/ 1.
(4) شرح العقيدة الطحاوية ص: 392 - 393.
(5) رواه مسلم: 1/ 36 - 37 واللفظ له من حديث عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه. ورواه البخارى: 1/ 114 ومسلم: 1/ 39 من حدث أبى هريرة رضى اللّه عنه.

الصفحة 115