كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)

الثانى: وهو الادعاء بأن العبد هو الموجد لفعله من غير أن يكون للّه تقدير ومشيئة، وهو الّذي عليه جمهور القدرية. والإمام أحمد رد على الاتجاهين وبين خطأهما وابتعادهما عن الحق والصواب.
وأصحاب الاتجاه الثاني هذا ينكرون عموم المشيئة والخلق ويقولون إن الخير من اللّه والشر من الشيطان وإن العبد يملك الاستطاعة التامة على الفعل وعدمه وينكرون أن يكون للّه جلا وعلا مشيئة وإرادة فيما يفعله العباد.
يقول شارح الطحاوية فى معرض كلامه عن المعتزلة وأصولهم الخمسة: «فأما العدل فستروا تحته نفى القدر وقالوا: إن اللّه لا يخلق الشر ولا يقضى به، إذ لو خلقه ثم يعذبهم عليه يكون ذلك جورا واللّه تعالى عادل لا يجور «1» ويلزم على هذا الأصل الفاسد أن اللّه تعالى يكون فى ملكه ما لا يريده فيريد الشيء ولا يكون، ولازمه وصفه بالعجز!! تعالى اللّه عن ذلك «2»». اه.
قلت: وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة الذين يرون أن أفعال العباد كلها من طاعات ومعاص مخلوقة للّه عز وجل مقدرة على العباد مقضية عليهم قبل وقوعها منهم «3». وهذا لا يعنى أن العبد مسلوب المشيئة والإرادة، كما يدعى الجبرية- لكن أهل السنة يرون أن العبد فاعل حقيقة وله مشيئة وقدرة غير خارجة عن مشيئة اللّه وتقديره بل هى تابعة لمشيئة الرب جل وعلا، يقول ابن تيمية: «و مما ينبغى أن يعلم أن مذهب سلف الأمة- مع قولهم: اللّه خالق كل شيء وربه ومليكه وأنه ما شاء كان وما لم يشاء لم يكن- أن العبد فاعل حقيقة وله مشيئة وقدرة قال تعالى: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ «4» وقال تعالى: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ
___________
(1) يقول الشارح أيضا فى موضع آخر: «و تفصيل حكمة اللّه عز وجل فى خلقه وأمره، يعجز عن معرفته عقول البشر، والقدرية دخلوا فى التعليل على طريقة فاسدة مثلوا اللّه فيها بخلقه، ولم يثبتوا حكمة تعود إليه». شرح الطحاوية ص 119.
(2) نفس المصدر ص 589.
(3) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية: 8/ 63 - 64.
(4) سورة التكوير/ 28، 29.

الصفحة 151