كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)
اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «1» وقال تعالى: كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ وما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ «2» «3». اه.
ويحسن الآن أن نذكر ما تبقى من مراتب الإيمان بالقدر حيث ذكرت مرتبة العلم والكتابة وأتكلم الآن عن: مرتبة المشيئة:
وهى المرتبة الثالثة من مراتب الإيمان بالقدر ومقتضاها الإيمان بأن للّه عز وجل المشيئة التامة والقدرة الشاملة ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن. قال جل شأنه إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ «4» وقال سبحانه وتعالى: ولَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً «5» وقال عز وجل: ولَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً «6» وقال جل وعلا: ولَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ولكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ «7» إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ما ذكر.
ولكن هذا لا يعنى أن اللّه عز وجل يرضى عن ما يقع من العباد من الكفر والمعاصى.
يقول شارح الطحاوية: ومنشأ الضلال من التسوية بين المشيئة والإرادة وبين المحبة والرضى، فسوى بينهما الجبرية والقدرية، ثم اختلفوا: فقالت الجبرية: الكون كله بقضائه وقدره، فيكون محبوبا مرضيا. وقالت القدرية النفاة: ليست المعاصى محبوبة للّه ولا مرضية له، فليست مقدرة ولا مقضية فهى خارجة عن مشيئته وخلقه وقد دل على الفرق بين المشيئة والمحبة الكتاب والسنة والفطرة الصحيحة «8» ......
___________
(1) سورة الإنسان/ 29، 30.
(2) سورة المدثر/ 54، 55، 56.
(3) مجموع الفتاوى 8/ 117 - 118.
(4) سورة يس/ 82.
(5) سورة هود/ 118.
(6) سورة يونس/ 99.
(7) سورة السجدة/ 13.
(8) فى موضع آخر يقول: «أما أهل السنة فيقولون: إن اللّه وإن كان يريد المعاصى قدرا فهو لا يحبها