كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)

فإن قيل كيف يريد اللّه أمرا ولا يرضاه ولا يحبه؟ وكيف يشاؤه ويكونه؟
وكيف يجمع إرادته له وبغضه وكراهته؟.
قيل: هذا السؤال هو الّذي افترق الناس لأجله فرقا، وتباينت طرقهم وأقوالهم فاعلم أن المراد نوعان: مراد لنفسه، ومراد لغيره. فالمراد لنفسه مطلوب محبوب لذاته وما فيه من الخير فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد. والمراد لغيره، قد لا يكون مقصودا لما يريد ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته، وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث قضاؤه وإيصاله إلى مراده. فيجتمع الأمران: بغضه وإرادته، ولا يتنافيان، لاختلاف متعلقهما. وهذا كالدواء الكريه، إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه، وقطع العضو المتآكل، إذا علم أن فى قطعه بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة إذا علم أنها توصل إلى مراده ومحبوبه. بل العاقل يكتفى فى إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب، وإن خفيت عنه عاقبته فكيف ممن لا يخفى عليه خافية فهو سبحانه يكره الشيء ولا ينافى ذلك إرادته لأجل غيره، وكونه سببا إلى أمر هو أحب إليه من فوقه. من ذلك: أنه خلق إبليس الّذي هو مادة لفساد الأديان والأعمال والاعتقادات والإرادات، وهو سبب لشقاوة كثير من العباد وعملهم بما يغضب الرب سبحانه تبارك وتعالى، وهو الساعى فى وقوع خلاف ما يحبه اللّه ويرضاه. ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للرب تعالى ترتبت على خلقه، ووجودها أحب إليه من عدمها:
منها: أنه يظهر للعباد قدرة الرب تعالى على خلق المتضادات المتقابلات، فخلق هذه الذات، التى هى أخبث الذوات وشرها وهى سبب كل شر، فى
__________________________________________________
ولا يرضاها ولا يأمر بها بل يبغضها ويسخطها ويكرهها وينهى عنها». وهذا قول السلف قاطبة ... والمحققون من أهل السنة يقولون: «الإرادة فى كتاب اللّه نوعان: إرادة قدرية كونية خلقية وإرادة دينية أمرية شرعية، فالإرادة الشرعية هى المتضمنة للمحبة والرضى، والكونية هى المشيئة الشاملة لجميع الموجودات». ا ه. شرح العقيدة الطحاوية ص: 116. وانظر: أدلة القسمين ص: 114، 277 - 278، 505 - 506.
ولمزيد من التفصيل حول نوعى الإرادة انظر: كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية ص: 121 - 126، مجموع الفتاوى له: 8/ 440 - 441.

الصفحة 153