كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)

مقابلة ذات جبريل، التى هى من أشرف الذوات وأطهرها وأزكاها، وهى مادة كل خير، فتبارك خالق هذا وهذا. كما ظهرت قدرته فى خلق الليل والنهار، والدواء والداء، والحياة والموت، والحسن والقبيح والخير والشر. وذلك من أدل دليل على كمال قدرته وعزته وملكه وسلطانه فإنه خلق هذه المتضادات، وقابلها بعضها ببعض، وجعلها محال تصرفه وتدبيره فخلو الوجود عن بعضها بالكلية تعطيل لحكمته وكمال تصرفه وتدبير ملكه.
ومنها: ظهور آثار أسمائه القهرية مثل القهار والمنتقم والعدل والضار والشديد العقاب والسريع العقاب وذى البطش الشديد والخافض والمذل فإن هذه الأسماء والأفعال كمال لا بد من وجود متعلقها، ولو كان الجن والإنس على طبيعة الملائكة لم يظهر أثر هذه الأسماء.
ومنها: ظهور آثار أسمائه المتضمنة لحلمه وعفوه ومغفرته وستره وتجاوزه عن حقه وعتقه لمن شاء من عبيده، فلو لا خلق ما يكرهه من الأسباب المفضية إلى ظهور آثار هذه الأسماء لتعطلت هذه الحكم والفوائد وقد أشار النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى هذا بقوله: «لو لم تذنبوا لذهب اللّه بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر اللّه لهم» «1».
ومنها: ظهور آثار أسماء الحكمة والخبرة فإنه الحكيم الخبير، الّذي يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها اللائقة بها فلا يضع الشيء فى غير موضعه ولا ينزله فى غير منزلته التى يقتضيها كمال علمه وحكمته وخبرته. «2». اه.
ولابن القيم كلام بديع أيضا حول هذا الموضوع ولو لا خشية الإطالة لنقلته «3».
الاحتجاج بالقدر: لقد ضل البعض فى هذا الموضوع وأخذ ينغمس فى فعل المعاصى ويقترف الموبقات ثم يحتج على ذلك بالقدر وأنه لا حيلة له فيما
___________
(1) أخرجه مسلم: 4/ 2106 من حديث أبى هريرة رضى اللّه عنه ونحوه من حديث أبى أيوب الأنصارى رضى اللّه عنه.
(2) شرح العقيدة الطحاوية ص: 280 - 282.
(3) انظره فى شفاء العليل ص: 125 - 128، وراجع مجموع الفتاوى لابن تيمية: 6/ 115 - 116.

الصفحة 154