كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)
وطائفة التزمت لأجله وقوع مقدور بين قادرين ومفعول بين فاعلين.
وطائفة التزمت الجبر وأن اللّه يعذبهم على ما لا يقدرون عليه!.
وهذا السؤال هو الّذي أوجب التفرق والاختلاف.
والجواب الصحيح عنه أن يقال: إن ما يبتلى به العبد من الذنوب الوجودية وإن كانت خلقا للّه تعالى فهى عقوبة له على ذنوب قبلها؛ فالذنب يكسب الذنب ومن عقاب السيئة السيئة بعدها.
يبقى أن يقال: فالكلام فى الذنب الأول الجالب لما بعده من الذنوب؟
يقال هو عقوبة أيضا على عدم فعل ما خلق له وفطر عليه فإن اللّه سبحانه خلقه لعبادته ... فلما لم يفعل ما خلق له وفطر عليه ... عوقب على ذلك بأن زين له الشيطان ما يفعله من الشرك والمعاصى فإنه صادف قلبا خاليا قابلا للخير والشر ولو كان فيه الخير الّذي يمنع ضده لم يتمكن منه الشر ... فيكون جعله مذنبا مسيئا فى هذه الحالة عقوبة له على عدم هذا الإخلاص وهى محض العدل ... وإذا ثبت كون العبد فاعلا فأفعاله نوعان: نوع يكون منه من غير اقتران قدرته وإرادته فيكون صفة له ولا يكون فعلا كحركات المرتعش. ونوع يكون منه مقارنا لايجاد قدرته واختياره، فيوصف بكونه صفة وفعلا وكسبا للعبد كالحركات الاختيارية واللّه تعالى هو الّذي جعل العبد فاعلا مختارا وهو الّذي يقدر على ذلك وحده لا شريك له، ولهذا أنكر السلف الجبر، فإن الجبر لا يكون إلا من عاجز، فلا يكون إلا مع الإكراه، يقال للأب إجبار البكر الصغيرة على النكاح وليس له إجبار الثيب البالغ، أى ليس له أن يزوجها مكرهة. واللّه تعالى لا يوصف بالإجبار بهذا الاعتبار، لأنه سبحانه خالق الإرادة والمراد، قادر على أن يجعله مختارا بخلاف غيره ..
فالحاصل: أن فعل العبد فعل له حقيقة ولكنه مخلوق للّه تعالى ومفعول للّه تعالى، وليس هو نفس فعل اللّه. ففرق بين الفعل والمفعول والخلق والمخلوق «1». اه.
___________
(1) انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص: 496 - 502، وراجع الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص: 114 وما بعدها، ومجموع الفتاوى: 8/ 262 - 268، 237 - 238 لابن تيمية.