كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)
إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ «1» وفى الصحيحين أن الناس يؤمرون بالسجود فيصير ظهر المنافق طبقا فلا يستطيع أن يسجد «2» «3».
___________
(1) سورة القلم/ 42.
(2) أخرج البخارى: 13/ 420 ومسلم: 1/ 168 من حديث أبى سعيد الخدرى يرويه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فى أهوال ومشاهد يوم القيامة: « ... فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد للّه رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا». الحديث واللفظ للبخارى.
(3) هذا القول ذكره ابن القيم على وجه آخر حيث قال فى عرضه للمذاهب المختلفة فى هذه المسألة:
المذهب الثامن: أنهم يمتحنون فى عرصات القيامة ويرسل إليهم هناك رسول وإلى كل من لم تبلغه الدعوة فمن أطاع الرسول دخل الجنة ومن عصاه أدخله النار. وعلى هذا يكون بعضهم فى الجنة وبعضهم فى النار. وبهذا يتألف شمل الأدلة كلها وتتوافق الأحاديث ويكون معلوم اللّه الّذي أحال عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم حيث يقول: «اللّه أعلم بما كانوا عاملين» يظهر حينئذ ويقع الثواب والعقاب عليه حال كونه معلوما علما خارجيا لا علما مجردا، ويكون النبي صلى اللّه عليه وسلم قد رد جوابهم إلى علم اللّه فيهم، واللّه يرد ثوابهم وعقابهم إلى معلومه منهم، فالخبر عنهم مردود إلى علمه، ومصيرهم مردود إلى معلومه. وقد جاءت بذلك آثار كثيرة يؤيد بعضها بعضا .. » ثم ساق ما يراه مؤيدا لقوله ورد على ما يرد من اعتراضات. راجع طريق الهجرتين ص: 396 - 401.
وقد أيد شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية هذا القول إذ يقول: «و لهذا لما سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عمن يموت من أطفال المشركين وهو صغير قال: «اللّه أعلم بما كانوا عاملين» أى اللّه يعلم من يؤمن منهم ومن يكفر لو بلغوا. ثم إنه قد جاء فى حديث إسناده مقارب عن أبى هريرة رضى اللّه عنه: عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة فإن اللّه يمتحنهم ويبعث إليهم رسولا فى عرصة القيامة، فمن أجابه أدخله الجنة ومن عصاه أدخله النار» فهنالك يظهر فيهم ما علمه اللّه سبحانه ويجزيهم على ما ظهر من العلم وهو إيمانهم وكفرهم، لا على مجرد العلم.
وهذا أجود ما قيل فى أطفال المشركين وعليه تتنزل جميع الأحاديث. مجموع الفتاوى:
4/ 246 - 247. وفى موضع آخر قال: وأما أطفال المشركين فأصح الأجوبة فيهم جواب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «اللّه أعلم بما كانوا عاملين» فلا يحكم على معين منهم بجنة ولا بنار ويروى «أنهم يوم القيامة يمتحنون فى عرصات القيامة، فمن أطاع حينئذ دخل الجنة ومن عصى دخل النار.
ودلت الأحاديث الصحيحة أن بعضهم فى الجنة وبعضهم فى النار». مجموع الفتاوى: 4/ 312.
قلت: «قد لا يكون الفرق جوهريا بين من قال: «يرسل إليهم رسولا وبين من قال: ترفع لهم نار. فالحاصل من القولين أنهم يمتحنون فى الآخرة وقد ساق البيهقى فى الاعتقاد ص: 111 - 112 وابن القيم فى المصدر السابق ما جاء فى هذا الباب من آثار فراجعهما.