كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)

على السنن الثابتة، وإنما عرف المذهب به لتفرده بالقيام فى وقته وسكوت أترابه عن ذلك، إما لخوف البعض أو عرفانا من الآخرين بأنه أولاهم بما قام به لتقدمه عليهم فى خصال الخير، وظهر تقدمه فى العلوم التى ذكرناها فهو إمام مقتدى به «1».
ويقول ابن تيمية: إن الإمام أحمد صار مثلا سائرا يضرب به المثل فى المحنة والصبر على الحق، وإنه لم تكن تأخذه فى اللّه لومة لائم، حتى صار اسم الإمام مقرونا باسمه فى لسان كل أحد فيقال: قال الإمام أحمد. هذا مذهب الإمام أحمد لقوله تعالى وجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ «2» فإنه أعطى من الصبر واليقين ما يستحق به الإمامة فى الدين. وقد تداوله ثلاثة خلفاء مسلطون من شرق الأرض إلى غربها، ومعهم من العلماء المتكلمين والقضاة والوزراء والسعاة والأمراء والولاة من لا يحصيهم إلا اللّه فبعضهم بالحبس وبعضهم بالتهديد الشديد بالقتل وغيره، وبعضهم بالتشريد والنفى ... وهو مع ذلك لم يعطهم كلمة واحدة مما طلبوه منه وما رجع عما جاء به الكتاب والسنة ولا كتم العلم، ولا استعمل التقية «3» بل أظهر من سنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وآثاره ودفع من البدع المخالفة لذلك ما لم يتأت مثله لعالم من نظرائه وإخوانه المتقدمين والمتأخرين «4».
ويقول فى موضع آخر: وصار الإمام أحمد علما لأهل السنة الجائين بعده من جميع الطوائف: كلهم يوافقه فى جمل أقواله وأصول مذاهبه، لأنه حفظ على الأمة الإيمان الموروث والأصول النبوية ممن أراد أن يحرفها ويبدلها «5».
___________
(1) الرد على من أنكر الحرف والصوت (ق: 49).
(2) سورة السجدة/ آية: 24.
(3) قال لعمه إسحاق لما أراده عليها وهو فى السجن: يا عم إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل فمتى نتبين الحق. محنة أحمد لحنبل بن إسحاق ص: 41.
(4) مجموع الفتاوى: 12/ 439.
(5) المصدر نفسه.

الصفحة 19