كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)

والجوارح، ومن أراد الاعتقاد رأى أن لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك، فزاد الاعتقاد بالقلب، ومن قال: قول وعمل ونية، قال: القول يتناول الاعتقاد وقول اللسان، وأما العمل فقد لا يفهم منه النية، فزاد ذلك، ومن زاد اتباع السنة فلأن ذلك كله لا يكون محبوبا للّه إلا باتباع السنة، وأولئك لم يريدوا كل قول وعمل، وإنما أرادوا ما كان مشروعا من الأقوال والأعمال، ولكن كان مقصودهم الرد على المرجئة الذين جعلوه قولا فقط، فقالوا: بل هو قول وعمل والذين جعلوه أربعة أقسام فسروا مرادهم، كما سئل سهل بن عبد اللّه التستري «1» عن الإيمان ما هو؟ فقال: قول وعمل ونية وسنة، لأن الإيمان إذا كان بلا عمل، فهو كفر، وإذا كان قولا وعملا بلا نية فهو نفاق، وإذا كان قولا وعملا ونية بلا سنة فهو بدعة «2». اه.
وما ذهب إليه الإمام أحمد- رحمه اللّه- من تعريف للإيمان هو مذهب عامة السلف فى الإيمان: اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان. فالسلف- رحمهم اللّه- رأوا أن الإيمان عبارة عن هذه الأمور الثلاثة، واعتبروا التصديق بالقلب والقول باللسان أصلا والعمل فرعا. لذلك نجدهم لا يكفرون مرتكب الكبيرة ولا يحكمون عليه بالتخليد فى النار. كما يفعل الخوارج والمعتزلة «3». وقد نقل الإجماع عنهم على هذا التعريف للإيمان أبو عبيد القاسم بن سلام «4» والشافعى «5» والبخارى «6» واللالكائي «7» والبغوى «8» وابن عبد البر «9» وغيرهم.
وهذا الإجماع منهم مبنى على أدلة صريحة من الكتاب والسنة.
___________
(1) تقدمت ترجمته ص. 42.
(2) الإيمان ص: 162. وانظر مجموع الفتاوى له: 7/ 505 - 506، والشريعة للآجرى ص: 119.
(3) قد يلتبس على البعض تعريف أهل السنة للإيمان وتعريف الخوارج والمعتزلة له وسيأتى مزيد من الإيضاح حول هذه المسألة عند الكلام عن الفرق المخالفة فى تعريف الإيمان ص: 76.
(4) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية: 7/ 309 ولم أجده في كتاب الإيمان ولعله فى مؤلف آخر له، واللّه أعلم.
(5) انظر: الإيمان لابن تيمية ص: 197.
(6) انظر: فتح البارى: 1/ 47.
(7) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 4/ 832.
(8) انظر: شرح السنة: 1/ 38.
(9) انظر: التمهيد: 9/ 238.

الصفحة 65