كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)

الآخرة والجزاء فالمنافق عندهم مؤمن فى الدنيا حقيقة مستحق للعقاب الأبدى فى الآخرة «1»».
والإمام أحمد ينقض فى كتابه هذا مزاعم مرجئة الكرامية القائلين إن الإيمان هو مجرد الإقرار باللسان فقط. وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رد أبى عبد اللّه على هذه الطائفة وعلق عليه قائلا: «قلت: أحمد وأبو ثور وغيرهما من الأئمة كانوا قد عرفوا أصل قول المرجئة، وهو أن الإيمان لا يذهب بعضه ويبقى بعضه فلا يكون إلا شيئا واحدا، فلا يكون ذا عدد اثنين أو ثلاثة، فإنه إذا كان له عدد، أمكن ذهاب بعضه وبقاء بعضه، بل لا يكون إلا شيئا واحدا ...
فلهذا صاروا يناظرونهم بما يدل على أنه ليس شيئا واحدا ... وأحمد ذكر أنه لا بد من المعرفة والتصديق مع الإقرار، وقال: إن من جحد المعرفة والتصديق، فقد قال قولا عظيما، فإن فساد هذا القول معلوم من دين الإسلام! ولهذا لم يذهب إليه أحد قبل الكرامية، مع أن الكرامية لا تنكر وجوب المعرفة والتصديق، ولكن تقول: لا يدخل فى اسم الإيمان حذرا من تبعضه وتعدده، لأنهم رأوا أنه لا يمكن أن يذهب بعضه ويبقى بعضه، بل ذلك يقتضي أن يجتمع فى القلب إيمان وكفر، واعتقدوا الإجماع على نفى ذلك، كما ذكر هذا الإجماع الأشعرى وغيره.
وأحمد- رضى اللّه عنه- فرق بين المعرفة التى فى القلب وبين التصديق الّذي فى القلب، فإن تصديق اللسان هو الإقرار، وقد ذكر ثلاثة أشياء، وهذا يحتمل شيئين يحتمل أن يفرق بين تصديق القلب ومعرفته، وهذا قول ابن كلاب، والقلانسى، والأشعرى وأصحابه يفرقون بين معرفة القلب وبين تصديق القلب، فإن تصديق القلب قوله، وقول القلب عندهم ليس هو العلم، بل نوعا آخر، ولهذا قال أحمد: هل يحتاج إلى المعرفة مع الإقرار ... - (إلى آخر كلام أحمد) - والذين قالوا: الإيمان هو الإقرار باللسان يتضمن التصديق باللسان، والمرجئة لم تختلف أن الإقرار باللسان فيه التصديق، فعلم أنه أراد تصديق القلب ومعرفته مع الإقرار باللسان، إلا أن يقال: أراد تصديق القلب واللسان جميعا مع المعرفة
___________
(1) المللى والنحل بهامش الفصل: 1/ 154.

الصفحة 70