كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)

والإقرار، ومراده بالإقرار الالتزام لا التصديق كما قال تعالى: وإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ولَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ «1» فالميثاق مأخوذ على أنهم يؤمنون به وينصرونه، وقد أمروا بهذا، وليس هذا الإقرار تصديقا فإن اللّه تعالى لم يخبرهم بخبره بل أوجب عليهم إذا جاءهم ذلك الرسول أن يؤمنوا به وينصروه، فصدقوا بهذا الإقرار والتزموه، فهذا هو إقرارهم، والإنسان قد يقر للرسول بمعنى أنه يلتزم ما يأمر به مع غير معرفة، ومن غير تصديق له أنه رسول اللّه، لكن لم يقل أحد من المرجئة: إن هذا الإقرار يكون إيمانا، بل لا بدّ عندهم من الإقرار الخبرى وهو أنه يقر له بأنه رسول اللّه كما يقر المقر بما يقر به من الحقوق، ولفظ الإقرار يتناول الالتزام والتصديق، ولا بد منهما وقد يراد بالإقرار مجرد التصديق بدون التزام الطاعة، والمرجئة تارة يجعلون هذا هو الإيمان وتارة يجعلون الإيمان التصديق والالتزام معا، هذا هو الإقرار الّذي يقوله فقهاء المرجئة: إنه إيمان، وإلا لو قال: أنا أطيعه ولا أصدق أنه رسول اللّه أو أصدقه ولا ألتزم طاعته لم يكن مسلما ولا مؤمنا عندهم.
وأحمد قال: لا بد مع هذا الإقرار أن يكون مصدقا، وأن يكون عارفا، وأن يكون مصدقا بما عرف، وفى رواية أخرى مصدقا بما أقر، وهذا يقتضي أنه لا بد من تصديق باطن، ويحتمل أن يكون لفظ التصديق عنده يتضمن القول والعمل جميعا، كما ذكرنا شواهده أنه يقال صدق بالقول والعمل فيكون تصديق القلب عنده يتضمن أنه مع معرفة قلبه أنه رسول اللّه قد خضع له وانقاد، فصدقه بقول قلبه وعمل قلبه محبة وتعظيما وإلا فمجرد معرفة القلب أنه رسول اللّه مع الإعراض عن الانقياد له ... فلا يكون إيمانا. ولا بد فى الإيمان من علم القلب وعمله، فأراد أحمد بالتصديق أنه مع المعرفة به صار القلب مصدقا له تابعا له محبا له معظما له، فإن هذا لا بد منه، ومن دفع هذا أن يكون من الإيمان، فهو من جنس من دفع المعرفة من أن تكون من الإيمان. وهذا أشبه بأن يحمل عليه كلام أحمد،
___________
(1) سورة آل عمران/ 81.

الصفحة 71