كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة (اسم الجزء: 1)
والناس فيه سواء ويرون أن من عرف ربه بقلبه ثم جحد بلسانه لم يكن كافرا بجحده هذا، لأن المعرفة لا تزول وتذهب بالجحد. فعلى مذهبهم الفاسد أن العبد إذا عرف ربه وعرف أنه هو الخالق لهذا الكون فهو فى غاية من الإيمان.
وهذا مبنى على قاعدتهم المعروفة: «الإيمان هو المعرفة باللّه والكفر هو الجهل به» «1»، ولا شك أن هذا المذهب من أفسد المذاهب وأقبحها، وأشدها خطرا على عقيدة المسلم لذا أطلق الإمام أحمد القول بتكفير من اعتقد هذا مستدلا على ذلك بأقوى الأدلة عليهم فى هذا الجانب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «و قول جهم فى الإيمان قول خارج عن إجماع المسلمين قبله، بل السلف كفروا من يقول بقول جهم فى الإيمان «2». اه.
ولا بد هنا من التطرق لمذهب الأشاعرة والماتريدية فى الإيمان حتى يتضح الفرق بينهما وبين مذهب الجهمية فى الإيمان.
وأبدأ أولا بالأشاعرة:-
وهم المنتسبون إلى أبى الحسن الأشعرى «3» حيث ذهب جمهورهم إلى أن الإيمان هو: التصديق فى اللغة والشريعة جميعا وأن الأفعال والأعمال من شرائع الإيمان لا من نفس الإيمان. وإن كان البعض منهم يرى إدخال القول فى
___________
(1) انظر: مقالات الإسلاميين: 1/ 338، الفرق بين الفرق للبغدادى ص: 212، الملل والنحل للشهرستانى: 1/ 111، وشرح العقيدة الطحاوية ص: 374.
(2) مجموع الفتاوى: 7/ 141.
(3) هو: على بن إسماعيل بن أبى بشر البصرى، صاحب المصنفات، توفى سنة أربع وعشرين وثلاث مائة وله بضع وستون سنة. وقد كان رحمه اللّه في بداية أمره على مذهب الاعتزال ثم تركه وسلك طريق ابن كلاب ثم رجع بعد ذلك إلى مذهب السلف. وما جاء فى كتابيه مقالات الإسلاميين والإبانة عن أصول أهل السنة والديانة يكفى للاستدلال على رجوعه إلى مذهب السلف وفى كتابه الأخير الإبانة وافق السلف فى كل ما عرضه من المسائل، وفي كتابه مقالات الإسلاميين قال: «و بكل ما قالوا نقول وإليه نذهب- يعنى أهل الحديث. والمنتسبون إليه هم من أخذوا عنه عند رجوعه عن الاعتزال إلى مذهب ابن كلاب. انظر: خطط المقريزى: 2/ 358، الملل والنحل للشهرستانى:
1/ 119، أصول الدين للبغدادى ص: 90، الفرق بين الفرق ص: 334، العبر: 2/ 202، طبقات الشافعية: 3/ 352، شذرات الذهب 2/ 303.