كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 1)

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي غَوْثُ بْنُ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ دَاوُدَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: قَالَ الْحَوَارِيُّونَ: يَا عِيسَى §مَنْ أَوْلِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ؟ قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا حِينَ نَظَرَ النَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا , وَالَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى آجِلِ الدُّنْيَا حِينَ نَظَرَ النَّاسُ إِلَى عَاجِلِهَا , فَأَمَاتُوا مِنْهَا مَا يَخْشَوْنَ أَنْ يَشِينَهُمْ , وَتَرَكُوا مَا عَلِمُوا أَنْ سَيَتْرُكُهُمْ , فَصَارَ اسْتِكْثَارُهُمْ مِنْهَا اسْتِقْلَالًا , وَذِكْرُهُمْ إِيَّاهَا فَوَاتًا , وَفَرَحُهُمْ مِمَّا أَصَابُوا مِنْهَا حُزْنًا , فَمَا عَارَضَهُمْ مِنْ نَيْلِهَا رَفَضُوهُ , وَمَا عَارَضَهُمْ مِنْ رِفْعَتِهَا بِغَيْرِ الْحَقِّ وَضَعُوهُ , وَخَلِقَتِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ فَلَيْسُوا يُجَدِّدُونَهَا , وَخَرِبَتْ بُيُوتُهُمْ فَلَيْسُوا يُعَمِّرُونَهَا , وَمَاتَتْ فِي صُدُورِهِمْ فَلَيْسُوا يُحْيُونَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا , بَلْ يَهْدِمُونَهَا فَيَبْنُونَ بِهَا آخِرَتَهُمْ , وَيَبِيعُونَهَا فَيَشْتَرُونَ بِهَا مَا يَبْقَى لَهُمْ , وَرَفَضُوهَا فَكَانُوا فِيهَا هُمُ الْفَرِحِينَ , وَنَظَرُوا إِلَى أَهْلِهَا صَرْعَى قَدْ خَلَتْ بِهِمُ الْمَثُلَاتُ , وَأَحْيَوْا ذِكْرَ الْمَوْتِ , وَأَمَاتُوا ذِكْرَ الْحَيَاةِ , يُحِبُّونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُحِبُّونَ ذِكْرَهُ , وَيَسْتَضِيئُونَ بِنُورِهِ وَيُضِيئُونَ بِهِ , لَهُمْ خَيَرٌ عَجِيبٌ , وَعِنْدَهُمُ الْخَبَرُ الْعَجِيبُ , بِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ وَبِهِ قَامُوا , وَبِهِمْ نَطَقَ الْكِتَابُ وَبِهِ نَطَقُوا , وَبِهِمْ عُلِمَ الْكِتَابُ وَبِهِ عَمِلُوا , وَلَيْسُوا يَرَوْنَ نَائِلًا مَعَ مَا نَالُوا , وَلَا أَمَانًا دُونَ مَا يَرْجُونَ , وَلَا خَوْفًا دُونَ مَا يَحْذَرُونَ» قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَهُمُ الْمَصُونُونَ عَنْ مُرَامَقَةِ حَقَارَةِ الدُّنْيَا بِعَيْنِ الِاغْتِرَارِ , الْمُبْصِرُونَ صُنْعَ مَحْبُوبِهِمْ بِالْفِكْرِ وَالِاعْتِبَارِ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ،. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نُعَيْمٍ: وَالصَّوَابُ وَفَاءُ بْنُ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: " §لَمَّا بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إِلَى فِرْعَوْنَ قَالَ: «لَا يَغُرَّنَكُمَا لِبَاسُهُ الَّذِي أَلْبَسْتُهُ , فَإِنَّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِي , فَلَا يَنْطِقُ وَلَا يَطْرِفُ إِلَّا بِإِذْنِي , وَلَا يَغُرَّنَكُمَا -[11]- مَا مُتِّعَ بِهِ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَةِ الْمُتْرَفِينَ , فَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُزَيِّنَكُمَا مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا بِشَيْءٍ يَعْرِفُ فِرْعَوْنُ أَنَّ قُدْرَتَهُ تَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ لَفَعَلْتُ , وَلَيْسَ ذَلِكَ لِهَوَانِكُمَا عَلِي , وَلَكِنِّي أَلْبَسْتُكُمَا نَصِيبَكُمَا مِنَ الْكَرَامَةِ عَلَى أَنْ لَا تُنْقِصَكُمَا الدُّنْيَا شَيْئًا , وَإِنِّي لَأَذُودُ أَوْلِيَائِي عَنِ الدُّنْيَا كَمَا يَذُودُ الرَّاعِي إِبِلَهُ عَنْ مَبَارِكِ الْعُرَّةِ، وَإِنِّي لَأُجَنِّبُهُمْ زَهْرَتَهَا كَمَا يُجَنِّبُ الرَّاعِي إِبِلَهُ عَنْ مَرَاتِعِ الْهَلَكَةِ، أُرِيدُ أَنْ أُنَوِّرَ بِذَلِكَ مَرَاتِبَهُمْ , وَأُطَهِّرَ بِذَلِكَ قُلُوبَهُمْ , فِي سِيمَاهُمُ الَّذِي يُعْرَفُونَ بِهِ , وَأَمْرِهِمُ الَّذِي يَفْتَخِرُونَ بِهِ , وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ أَخَافَ لِي وَلِيًّا , فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْعَدَاوَةِ , وَأَنا الثَّائِرُ لِأَوْلِيَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

الصفحة 10