كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 1)

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْجَارُودِ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ، وَحَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا الْحَسَنُ، ثَنَا حُمَيْدٌ، ثَنَا جَرِيرٌ، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ لِأَصْحَابِهِ: " §مَا تَقُولُونَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30] , وَ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} " قَالَ: قَالُوا: رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا , فَلَمْ يَدِينُوا , وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ بِخَطِيئَةٍ , قَالَ: " لَقَدْ حَمَلْتُمُوهَا عَلَى غَيْرِ الْمَحْمَلِ , ثُمَّ قَالَ: قَالُوا: رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى إِلَهٍ غَيْرِهِ , وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِشِرْكٍ " قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ: كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ أَحْوَالِهِ الْعُزُوفُ عَنِ الْعَاجِلَةِ , وَالْأُزُوفُ مِنَ الْآجِلَةِ , وَقَدْ قِيلَ: «إِنَّ التَّصَوُّفَ تَطْلِيقُ الدُّنْيَا بَتَاتًا , وَالْإِعْرَاضُ عَنْ مَنَالِهَا ثَبَاتًا»
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالْفَضْلُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ، ثنا أَسْلَمُ، عَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ اسْتَسْقَى فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَعَسَلٌ , فَلَمَّا أَدْنَاهُ مِنْ فِيهِ بَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ , فَسَكَتَ وَمَا سَكَتُوا , ثُمَّ عَادَ فَبَكَى حَتَّى ظَنُّوا أَنْ لَا يَقْدِرُوا عَلَى مُسَاءَلَتِهِ , ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَأَفَاقَ , فَقَالُوا: مَا هَاجَكَ عَلَى هَذَا الْبُكَاءِ؟ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ يَدْفَعُ عَنْهُ شَيْئًا وَيَقُولُ: «إِلَيْكَ عَنِّي إِلَيْكَ عَنِّي» وَلَمْ أَرَ مَعَهُ أَحَدًا , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَاكَ تَدْفَعُ عَنْكَ شَيْئًا -[31]- وَلَا أَرَى مَعَكَ أَحَدًا؟ قَالَ: " §هَذِهِ الدُّنْيَا تَمَثَّلَتْ لِي بِمَا فِيهَا , فَقُلْتُ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي فُتَنَحَّتْ وَقَالَتْ: أَمَا وَاللهِ لَئِنِ انْفَلَتَّ مِنِّي لَا يَنْفَلِتُ مِنِّي مَنْ بَعْدَكَ «, فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ قَدْ لَحِقَتْنِي , فَذَاكَ الَّذِي أَبْكَانِي» قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ: وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَا يُفَارِقُ الْجِدَّ , وَلَا يُجَاوِزُ الْحَدَّ , وَقَدْ قِيلَ: " إِنَّ التَّصَوُّفَ الْجِدُّ فِي السُّلُوكِ إِلَى مَالِكِ الْمُلُوكِ

الصفحة 30