كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 1)

غَيُورًا مُغْضَبَةً حَتَّى فَتَحَتْهُ فَإِذَا فِيهِ قِحْفُ رَأْسٍ، قُلْنَ: تَدْرِينَ يَا أُمَّ فُلَانٍ، مَا تَصْنَعِينَ بِهِ، احْرِقِيهِ ثُمَّ ذَرِّيهِ فِي الرِّيحِ فَفَعَلَتْ، فَقَدِمَ زَوْجُهَا مِنْ سَفَرِهِ، وَهِيَ مُغْضَبَةٌ، فَقَالَ لَهَا: مَا فَعَلَ السَّفَطُ، فَحَدَّثَتْهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ: آمَنْتُ بِاللهِ، وَصَدَّقْتُ بِالْقَدَرِ، فَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ "
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيِّ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُلُّويَةَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ وَمُقَاتِلٍ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ عَبَدَ اللهَ تَعَالَى ثَمَانِينَ سَنَةً، ثُمَّ إِنَّهُ أَخْطَأَ خَطِيئَةً خَافَ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَأَتَى الْفَيَافِيَ فَنَادَاهَا: أَيَّتُهَا الْفَيَافِي الْكَثِيرَةُ رِمَالُهَا، الْكَثِيرَةُ عِضَاهُهَا، الْكَثِيرَةُ دَوَابُّهَا، الْكَثِيرَةُ قِلَاعُهَا، هَلْ فِيكِ مَكَانٌ يُوَارِينِي مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ؟ فَأَجَابَتْهُ الْفَيَافِي بِإِذْنِ اللهِ: يَا هَذَا، وَاللهِ مَا فِي نَبْتٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا وَمَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ، فَكَيْفَ أُوَارِيكَ عَنِ اللهِ تَعَالَى؟ فَأَتَى الْبَحْرَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْبَحْرُ الْغَزِيرُ مَاؤُهُ، الْكَثِيرُ حِيتَانُهُ، هَلْ فِيكَ مَكَانٌ يُوَارِينِي مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ؟ فَأَجَابَهُ بِإِذْنِ اللهِ فَقَالَ: يَا هَذَا، وَاللهِ مَا فِي حَصَاةٍ وَلَا دَابَّةٍ إِلَّا وَبِهَا مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، فَكَيْفَ أُوَارِيكَ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَأَتَى الْجِبَالَ فَقَالَ: يَا أَيَّتُهَا الْجِبَالُ الشَّوَامِخُ فِي السَّمَاءِ، الْكَثِيرَةُ غِيرَانُهَا، هَلْ فِيكِ مَكَانٌ يُوَارِينِي مِنْ رَبِّي تَعَالَى؟ فَقَالَتِ الْجِبَالُ: وَاللهِ مَا فِينَا مِنْ حَصَاةٍ وَلَا غَارٍ إِلَّا وَمَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ، فَأَيْنَ أُوَارِيكَ؟ قَالَ: فَأَقَامَ يَتَعَبَّدُ هُنَالِكَ وَيَلْتَمِسُ التَّوْبَةَ، حَتَّى حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَبَكَى فَقَالَ: يَا رَبِّ، §اقْبِضْ رُوحِي فِي الْأَرْوَاحِ، وَجَسَدِي فِي الْأَجْسَادِ، وَلَا تَبْعَثْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ "
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، وَإِسْمَاعِيلُ - يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ - قَالَا: أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: «صَحِبْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ قَامَ شَطْرَ اللَّيْلِ» قَالَ: فَسَأَلَهُ أَيُّوبُ: كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ؟ قَالَ: " §قَرَأَ {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ، ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19]، فَجَعَلَ يُرَتِّلُ وَيُكْثِرُ فِي ذَاكُمُ النَّشِيجِ " لَفْظُ أَبِي عُبَيْدَةَ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ -[328]- سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَخَذَ بِثَمَرَةِ لِسَانِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «وَيْحَكَ §قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ، وَاسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا لِي أَرَاكَ آخِذًا بِثَمَرَةِ لِسَانِكَ تَقُولُ كَذَا؟ قَالَ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ هُوَ عَلَى شَيْءٍ أَحْنَقَ مِنْهُ عَلَى لِسَانِهِ»

الصفحة 327