كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 1)

سلبت سلاحى بائسا وشتمتنى … فيا خير مسلوب ويا شرّ سالب
ولست أرى أن «بائسا» حال من ضمير المتكلم الذى فى «سلاحى» ولكنه عندى حال من مفعول «سلبت» المحذوف، والتقدير: سلبتنى بائسا سلاحى، وجاء بالحال من المحذوف لأنه مقدّر عنده منوىّ، ومثل ذلك فى القرآن قوله جلّ وعزّ:
{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} (¬1) فوحيدا حال من الهاء العائدة فى التقدير على «من» ومثله: {أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً} (¬2) ألا ترى أنك لا بدّ أن تقدّر خلقته وحيدا، وبعثه الله رسولا، لأن الاسم الموصول لا بدّ له من عائد لفظا أو تقديرا.
وإنما وجب العدول (¬3) عن نصب «بائس» على الحال من الياء التى فى «سلاحى» لما ذكرته لك من عزّة حال المضاف إليه، فإذا وجدت مندوحة عنه وجب تركه.
وسلب: يتعدى إلى مفعولين، يجوز الاقتصار على أحدهما، كقولك: سلبت زيدا ثوبا، وقالوا: سلب زيد ثوبه، بالرفع على بدل الاشتمال، وثوبه، بالنصب على أنه مفعول ثان، وفى التنزيل: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} (¬4) فيجوز على هذا أن تجعل «بائسا» مفعولا ثانيا بتقدير حذف الموصوف: أى سلبت سلاحى رجلا بائسا، كما تقول: لتعاملنّ منّى رجلا منصفا، ومما جاءت فيه الحال من المضاف إليه فى القرآن قوله تعالى: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً} (¬5) قيل:
إن «حنيفا» حال من إبراهيم، وأوجه من ذلك عندى أن تجعله حالا من «الملّة» وإن خالفها بالتذكير، لأن الملّة فى معنى الدّين، ألا ترى أنها قد أبدلت من الدّين فى قوله جلّ وعزّ: {دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ} (¬6) فإذا جعلت «حنيفا» حالا من «الملّة»
¬_________
(¬1) سورة المدثر 11.
(¬2) سورة الفرقان 41.
(¬3) فى هـ‍: من.
(¬4) سورة الحج 73.
(¬5) سورة البقرة 135.
(¬6) سورة الأنعام 161، و «قيما» ضبطت فى الأصل بفتح القاف وتشديد الياء، وهى قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو. السبعة لابن مجاهد ص 274، وقال أبو جعفر الطبرى فى تفسيره 12/ 282 إنها قراءة عامة قراءة المدينة وبعض البصريين.

الصفحة 25