كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 1)

وأجاز أبو العلاء المعرىّ أن يقال: لدنّى مال، غائبا كان أو حاضرا، ومنع أن يكون بين عند ولدن فرق، فى جميع أحوالها، وقول أبى هلال أثبت، وقد قاله غيره (¬1)، والذى ذكرته أوّلا من قولهم: هذا القول عندى صواب، وامتناعهم أن يقولوا: هو لدىّ صواب، فرق واضح.
قال أبو الفتح: ومعنى البيت أنه يحبّ المديح، فيهين له المال.
وقال أبو العلاء: استعار الأرحام للشّعر والمال، كما يفعل الشعراء، فيخرجون الأشياء من أصولها مستعارة، فيقولون: «ماء الصّبابة، وغمام العطاء» انقضى كلامه.
وليست الاستعارة مختصّة بالشعر، وإنما هى ضرب من البديع يتّسع فى النثر كاتّساعه فى النظم، وقد كثر ذلك فى القرآن، فمنه استعارة الجناح للذلّ فى قوله تعالى، موصّيا للولد بوالديه: {وَاِخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (¬2) أراد: لن لهما من مبالغتك فى الرحمة جانبك متذلّلا، ومنه استعارة الساق لشدّة (¬3) الأمر، فى قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ} (¬4) ألا ترى أنك تقول لمن يحتاج إلى الجدّ فى أمر: شمّر عن ساقك [فيه (¬5)] واشدد حيازيمك (¬6) له، فيكون هذا القول أوكد فى نفسه من قولك: جدّ فى أمرك.
/ومن ذلك قوله تعالى: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً} (¬7)
¬_________
(¬1) قاله محمد بن على، المعروف بمبرمان، والحريرىّ، كما فى المراجع المذكورة.
(¬2) سورة الإسراء 24.
(¬3) راجع الخصائص 3/ 251.
(¬4) سورة القلم 42.
(¬5) ليس فى هـ‍.
(¬6) جمع حيزوم، وهو الصدر، وقيل: وسطه.
(¬7) سورة الفرقان 23.

الصفحة 342