فالاستعارة تتضمّن من زيادة الفائدة ما لا تتضمّنه الحقيقة، ولولا ذلك كان استعمال الحقيقة أولى، فاختصاص المعرّى الشّعر بهذا الضّرب من البديع، قول من لم يقف على ما فى كتاب الله من الاستعارات المعدودة فى إعجاز القرآن.
ثم أقول: إنّ اتصال أرحام الشّعر عند الممدوح يحتمل معنيين، أحدهما: أنه يقبل الشّعر ويثيب عليه، فيحصل بينهما اتّصال، كاتّصال القرابات، والآخر:
أنه يمدح بأشعار كثيرة، تجتمع عنده، فيتّصل بعضها ببعض، كاتّصال الأرحام.
وكذلك تقطّع أرحام المال يحتمل معنيين، أحدهما: أن يكون اجتماعه عنده كالرّحم بينهما، وتفريقه كقطع الرّحم، والثانى: أن المال لا يجتمع عنده، كما قال (¬1):
وكلّما لقى الدّينار صاحبه … فى ملكه افترقا من قبل يصطحبا
فمنعه من اجتماع المال كأنه قطع لأرحام مشتبكة بين صنوف الأموال.
... وسئلت عن قوله، فى جملة مسائل وردت من الموصل:
كلّ ما لم يكن من الصّعب فى الأن … فس سهل فيها إذا هو كانا (¬2)
فأجبت بأنّ «ما» نكرة موصوفة بالجملة، فموضع الجملة خفض، ويكن وكان تامّتان، فى معنى يقع ووقع، وقوله: «من الصّعب» صفة أخرى، فمن متعلّقة بمحذوف، فهى ومجرورها فى موضع خفض، و «سهل» خبر «كلّ» فالتقدير:
كلّ شيء غير واقع صعب فى الأنفس، سهل فيها إذا وقع، والمعنى أنّ الأمر يصعب على النّفس (¬3) قبل وقوعه، فإذا وقع سهل، وهذا من قول أعشى باهلة (¬4):
¬_________
(¬1) ديوانه 1/ 116، وضرائر الشعر ص 152، وأتى به ابن عصفور شاهدا على جواز إضمار «أن» الناصبة للفعل، وإبقاء عملها.
(¬2) ديوانه 4/ 241.
(¬3) فى هـ: «الأنفس». وما فى الأصل مثله فى شرح الواحدى ص 672، والعبارة كلّها فيه.
(¬4) اسمه عامر بن الحارث، والبيت من قصيدة تعدّ من عيون المراثى، يرثى بها أخاه لأمه المنتشر بن وهب. ديوان الأعشين ص 266، والأصمعيات ص 91، والتخريج هناك. وانظر النهاية-