كتاب أمالي ابن الشجري (اسم الجزء: 1)

وموضع اسم المفعول حالا، مما اتّسع استعماله، ويجوز أن يكون انتصابهما بتقدير حذف الجارّ: أى تعرّقنى بنهس وحزّ، ويجوز أن تنصبهما على التمييز، لأن التعرّق لمّا احتمل أكثر من وجه، فجاز أن يكون بالنّهس وأن يكون بالحزّ أو الكشط أو غير ذلك، كان ذكر كلّ واحد منهما تبيينا.
وقولها: «قرعا وغمزا» يحتمل الأوجه الأربعة.
وكرّرت لفظ «الدهر» فلم تضمره، تعظيما للأمر.
والتكرير (¬1) للتعظيم على ضربين، أحدهما: استعماله بعد تمام الكلام، كما جاء فى هذا البيت، وهو كثير فى القرآن، كقوله تعالى: {وَاِتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬2) ومنه: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ} (¬3).
/والضّرب الآخر: مجىء تكرير الظاهر فى موضع المضمر، قبل أن يتمّ الكلام، كقول الشاعر (¬4):
ليت الغراب غداة ينعب دائبا … كان الغراب مقطّع الأوداج
ومثله فى التنزيل: {الْحَاقَّةُ. مَا الْحَاقَّةُ} (¬5) {الْقارِعَةُ. مَا الْقارِعَةُ} (¬6) كان القياس، لولا ما أريد به من التعظيم والتفخيم: الحاقة ما هى، ومنه قول عدىّ بن زيد (¬7):
لا أرى الموت يسبق الموت شيء … نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا
¬_________
(¬1) يسمّى أيضا: التكرار. راجع بحثه فى العمدة 2/ 73، وتحرير التحبير ص 375، وحواشيه.
(¬2) سورة البقرة 282.
(¬3) سورة البقرة 59.
(¬4) جرير. ديوانه ص 136، وتخريجه فى ص 1059.
(¬5) أول سورة الحاقة.
(¬6) أول سورة القارعة.
(¬7) ديوانه ص 65، وتخريجه فى ص 213، وزد عليه: الخصائص 3/ 53، والمغنى ص 554، وضرورة الشعر ص 190، وما فى حواشيه. وأعاده ابن الشجرىّ فى المجلس السادس والثلاثين.

الصفحة 370