كتاب البيان والتبيين - ط الخانجي (اسم الجزء: 1)

باب في التشادق والاغراق في القول
قال بعض الربانيين من الادباء واهل المعرفة من البلغاء ممن يكره التشادق والتعمق ويبغض الاغراق في القول والتكلف والاجتلاب ويعرف اكثر ادواء الكلام ودوائه وما يعتري المتكلم من الفتنة بحسن ما يقول وما يعرض
للسامع من الافتتان بما يسمع والذي يورث الاقتدار من التحكم والتسلط والذي يمكن الحاذق والمطبوع من التمويه للمعاني والخلابة وحسن المنطق وقال في بعض مواعظه أنذركم حسن الالفاظ وحلاوة مخارج الكلام فان المعنى اذا اكتسى لفظا حسنا وأعاره البليغ مخرجا سهلا ومنحه المتكلم قولا متعشقا صار في قلبك احلى ولصدرك أملا والمعاني اذا كسيت الالفاظ الكريمة وألبست الاوصاف الرفيعة تحولت في العيون عن مقادير صورها وأربت على حقائق اقدارها بقدر ما زينت وعلى حسب ما زخرفت فقد صارت الالفاظ في معنى المعارض وصارت المعاني في معنى الجواري والقلب ضعيف وسلطان الهوى قوي ومدخل خدع الشيطان خفي
فاذكر هذا الباب ولا تنسه وتأمله ولا تفرط فيه فان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لم يقل للاحنف بعد ان احتبسه حولا مجرما ليستكثر منه وليبالغ في تصفح حاله والتنقير عن شأنه ان رسول الله قد كان خوفنا كل منافق عليم وقد خفت ان تكون منهم إلا لما كان@

الصفحة 254