كتاب البيان والتبيين - ط الخانجي (اسم الجزء: 1)

وكلما كان اعجب كان ابدع وانما ذلك كنوادر كلام الصبيان وملح المجانين فان ضحك السامعين من ذلك أشد وتعجبهم به اكثر والناس موكلون بتعظيم الغريب واستطراف البديع وليس لهم في الموجود الراهن المقيم وفيما تحت قدرتهم من الرأي والهوى مثل الذي معهم في الغريب القليل وفي النادر الشاذ وكل ما كان في ملك غيرهم وعلى ذلك زهد الجيران في عالمهم الاصحاب في الفائدة من صاحبهم وعلى هذه السبيل يستطرفون القادم عليهم ويرحلون الىالنازح عنهم ويتركون من هو أعم نفعا واكثر في وجوه العلم تصرفا وأخف مؤونة واكثر فائدة
ولذلك قدم بعض الناس الخارجي على العريق والطارف على التليد وكانوا يقولون اذا كان الخليفة بليغا والسيد خطيبا فإنك تجد جمهور الناس وأكثر الخاصة فيهما على أمرين إما رجلا يعطي كلامهما من التعظيم والتفضيل والاكبار والتبجيل على قدر حالهما في نفسه وموقعهما من قلبه وإما رجلا تعرض له
التهمة لنفسه فيهما والخوف من ان يعطى تعظيمه لهما يوهمه من صواب قولهما وبلاغة كلامهما ما ليس عندهما حتى يفرط في الاشفاق ويسرف في التهمة فالأول يزيد في حقه للذي له في نفسه والاخر ينقصه من حقه لتهمته ولإشفاقه من ان يكون مخدوعا في أمره فاذا كان الحب يعمي عن المساوىء فالبغض يعمي عن الحقائق والمحاسن وليس يعرف حقائق مقادير المعاني ومحصول حدود لطائف الامور الا عالم حكيم او معتدل الاخلاط عليم والا القوى المنة لوثيق العقدة والذي لا يميل مع ما يستميل الجمهور الاعظم والسواد الاكثر@

الصفحة 90