كتاب الكتاب لسيبويه (اسم الجزء: 1)

فما يجوز في كان، إلاَّ أنّك إن حملتَه على الأوّل أو ابتدأتِ فالمعنى أنّك تَنْفِى شيئاً غيرَ كائن في حال حديِثك. وكانَ " الابتداءُ " في كانَ أَوْضَحَ، لأنّ المعنى يكونُ على ما مضى وعلى ما هو الآن. وليس يمتَنِع أن يراد به الأوّل كما أردتَ في كان.
ومثلُ ذلك قولك إن زيداً ظريف وعمرو وعمراً، فالمعنى في الحديث واحدٌ وما يراد من الإِعمال مختلِفٌ " في كان وليس وما ".
وتقول: ما زيدٌ كريما ولا عاقلا أبوه، تَجعلُه كأنّه للأوّل بمنزلةِ كريمٍ لأنه ملتبسٌ به، إذا قلتَ أبوه تُجريه عليه كما أجريتَ عليه الكريمَ، لأنّك لو قلت: ما زيدٌ عاقلا أبوه نصبتَ وكان كلاماً.
وتقول: ما زيد ذاهباً ولا عاقل عمرو، لأنك لو قلتَ ما زيدٌ عاقلاً عمرو لم يكن كلاماً، لأنّه ليس من سببِه، فتَرفعُه على الابتداء والقطع من الأوّلِ، كأنّك قلت: وما عاقل عمرو. ولو جعلتَه من سببِه لكانَ فيه له إضمارٌ كالهاء في الأبِ ونحوِها، ولم يَجُزْ نصبهُ على ما، لأنّك لو ذكرتَ ما ثُمَّ قدَّمتَ الخبرَ لم يكنْ إلاّ رفعاً. وإن شئت قلت: ما زيد ذهباً ولا كريمٌ أخوه، إن ابتدأتَه ولم تجعله على ما، كما فعلت ذلك حين بدأتَ بالاسم.
ولكنّ ليس وكان يجوز فيهما النصبُ وإن قدّمت الخبرَ ولم يكن ملتبساً لأنّك لو ذكرتهما كان الخبرُ فيهما مقدَّما مثلَه مؤخَّرا، وذلك قولك: ما كان زيدٌ ذاهبا ولا قائماً عمروٌ.

الصفحة 61