كتاب الكتاب لسيبويه (اسم الجزء: 1)

إلى ذلك أن يَقولَ: ضربتُ زيدا وزيداً ضربتُ، ولا يُعمِل الفعلَ في مضمَر، ولا يَتناولَ به هذا المتناوَلَ البعيدَ. وكلُّ هذا من كلامهم. ومثل هذا: زيدا أُعطيتُ وأُعطيت زيدا وزيدٌ أُعطيتُه؛ لأن أُعطيتُ بمنزلة ضُربتُ. وقد بُيّن المفعولُ الذى هو بمنزلة الفاعل فى أول الكتاب.
فإن قلت: زيدٌ مررتُ به فهو من النصب أَبْعَدُ من ذلك، لأنَّ المضمَر قد خَرَجَ من الفعل وأُضيفَ الفعلُ إليه بالباء، ولم يوصَلْ إليه الفعلُ فى اللفظ، فصار كقولك: زيدٌ لقيتُ أخاه. وإن شئت قلتَ: زيداً مررتُ به تريد أن تُفَسَّرَ به مضمَرا، كأنّك قلت إذا مثّلتَ ذلك: جعلتُ زيدا على طريقى مررتُ به، ولكنَّك لا تُظهر هذا الأوّلَ لما ذكرتُ لك.
وإذا قلت: زيدٌ لقيتُ أخاه فهو كذلك، وإن شئتَ نصبتَ، لأنّه إذا وقع على شيء من سببه فكأنّه قد وقع به. والدليلُ على ذلك أنّ الرجل يقول أهَنْتَ زيداً بِإهانتك أخاه وأكرمتَه بإِكرامك أخاه. وهذا النحوُ فى الكلام كثيرٌ، يقول الرجلُ إنْما أعطيتُ زيداً، وإنما يريد لمكان زيد أَعطيتُ فلانا. وإذا نصبتَ زيداً لقيتُ أخاه، فكأنّه قال: لا بست زيدا لَقِيتُ أخاه. وهذا تمثيلٌ ولا يُتكلَّم به، فجرى هذا على ما جرى عليه قولك أَكرمتُ زيدا، وإِنَّما وصلت الأُثرةُ إلى غيره.

الصفحة 83