كتاب المذهب الحنبلي دراسة في تاريخه وسماته (اسم الجزء: 1)
وإذا كان الخلاف في الآراء والإجتهادات ظاهرة طبعية، كاختلاف الأمزجة والأشكال والألوان في البشر، وكان العذر قائمًا مع الأجر في حق من أخطأ في اجتهاده من أئمة الدين، فيما ليس فيه نص قطعي ولا إجماع صريح ثابت، فإن النتيجة الحاصلة من الإجتهاد الواقع في المسائل الشرعية التي يسوغ فيها النظر، لابد أن تسفر عن صواب أو خطأ، والصواب دليل على توفيق الله، كلما أن الخطأ دليل على عدم العصمة في الفهم والإستنباط.
ثم إن كل إمام من أئمة المذاهب الفقهية المدونة المتبعة، بل والمنقرضة أيضًا، قد عرف بعدد من الأصحاب والتلاميذ الذين لزموا منهجه قي النظر، وأخذوا بأصوله في الإستنباط، وإن كان منهم من خالفه في بعض ما ذهب إليه لحجة رآها راجحة عنده. وهكذا أصبح المذهب الفقهي الواحد لا يمثله الإمام المنسوب إليه فحسب، بل تمثله تلك المجموعة المتألفة منه ومن أصحابه من تلامذته، وممن جاء بعدهم من أصحاب الوجوه والتخريج وغيره من طبقات المجتهدين فيه.
ولا تزال الحاجة إلى التعريف المتكامل بالمذاهب الفقهية؛ نشأة وتأسيسًا، ثم تكميلًا وتدوينًا، ثم تطورًا في الأعصار، وانتشارًا في الأمصار، والكشف عما لها من مزايا ومحاسن، وما خلفت من تراث ومأثر، والدراسة لخصائص كل واحد منها، ومؤلفاته وسائر مآثره بصفة عامة، لا تزال الحاجة إلى ذلك كله ماسة وملحة،
ومن هنا كان الهدف من هذا الكتاب هو تلبية هذه الحاجة بقدر الإمكان، والاستجاية لتلك الطلِبة المكنونة في نفوس الراغبين من الطلاب والدارسين، وذلك بالتطرق إلى إيراز ما يختص به المذهب الحنبلي من خصائص ومميزات، وما يمتاز به من مزايا وحسنات؛ وذلك من خلال المحاور التالية:
- تاريخ المذهب.
- سماته.
- أبرز أعلامه ومؤلفاتهم.
وتمثلت العناية في الجانب التاريخي بعقد دراسة عن الإمام أحمد؛ لبيان سيرته الذاتية والعلمية، ومنزلته بين أهل العلم، وتصانيفه من كتب ورسائل، والتي يمثل "المسند" حجر الزاوية فيها.
الصفحة 10
480