كتاب الاستقامة (اسم الجزء: 1)

وَهنا أخبر سُبْحَانَهُ انه هُوَ الَّذِي حبب إِلَيْهِم الْإِيمَان وزينه فِي قُلُوبهم وَفِي الشَّهَوَات قَالَ {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات} [سُورَة آل عمرَان 14] وَلم يقل المزين بل ذكر الْعُمُوم
وَقَالَ تَعَالَى {كَذَلِك زينا لكل أمة عَمَلهم} [سُورَة الْأَنْعَام 108] وكما حذف المزين هُنَاكَ قَالَ {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات} [سُورَة آل عمرَان 14] فَجعل المزين نفس الْحبّ لَهَا لم يَجْعَل المزين هُوَ المحبوب كَمَا أخبر أَنه زين لكل أمة عَملهَا فَإِن المزين نفس الْحبّ لَهَا لم يَجْعَل المزين هُوَ المحبوب بل هُوَ حب الشَّهَوَات فَإِن المزين إِذا كَانَ نفس الْحبّ وَالْعَمَل لم ينْصَرف الْقلب عَن ذَلِك بِخِلَاف مَا لَو كَانَ المزين هُوَ المحبوب فقد زين الشئ المحبوب وَلَكِن الْإِنْسَان لَا يُحِبهُ لما يقوم بِقَلْبِه من الْعلم بِحَالهِ والبغض
فَفرق بَين التزيين الْمُتَّصِل بِالْقَلْبِ وتزيين الشئ الْمُنْفَصِل عَنهُ فِيهِ رد على الْقَدَرِيَّة الَّذين يجْعَلُونَ التزيين الْمُنْفَصِل وَكَذَلِكَ قَوْله {زين لَهُ سوء عمله فَرَآهُ حسنا} [سُورَة فاطر 8] وَهُوَ سُبْحَانَهُ امتن فِي الْإِيمَان بشيئين بِأَنَّهُ حببه إِلَيْنَا وزينه فِي قُلُوبنَا فالنعم تتمّ بهما بِالْعلمِ والمحبة
وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح من غير وَجه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه

الصفحة 369